محمد البدر |
ليس هناك من مدينة مثل مدينة القدس تشكل محل رمزية وقدسية لأتباع الديانات السماوية الثلاث.
نعم القدس تمثل محل رمزية مهمة عند أتباع الديانة اليهودية بالذات لكن من أكبر المغالطات التاريخية التي يُروج لها هي إن مدينةالقدس مدينة يهودية.
عمر القدس كمدينة هو أكثر من 5000 سنة، بينما عمر الديانة اليهودية لا يتعدى 3500 سنة.
من أسس مدينة القدس اليبوسيون
وهم من العرب الأوائل العرب البائدة على قول بعض الآراء و هؤلاء اليبوسيون فرع من الكنعانيين و هم من أسسوا القدس و حكموها و وسعوها وشيدوها كمدينة قائمة ولها اسوار ونظام حكم وكان اسمها يبوس نسبة لهم.
وإسم أورشليم هو إسم كنعاني وليس عبري.
عاش النبي إبراهيم بحدود سنة (1850 ق.م) ويذكر سِفر التكوين من التوراة هذا النص حرفياً (وتغرب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أياماً كثيرة) وهو هنا يتحدث عن هجرة إبراهيم من أرض بابل إلى أرض كنعان (أرض فلسطين).
وينص كذلك على القول (وعاش إبراهيم غريباً في ارض كنعان) وكان معاصراً للملك العربي اليبوسي (ملكي صادق).
وبعد خروج اليهود من التيه في سيناء حاول القائد العبري يوشع بن نون فتح القدس لكنه فشل وهُزم على يد اليبوسيين ولم يتمكن من دخولها.
كان أول استيلاء لليهود على القدس في سنة (1000 ق.م) في زمن النبي داوود”ع” وقد استمرت سيطرة اليهود على القدس عبر التاريخ قبل عام(1948م) (400 سنة فقط) وهي مجموع سنوات مُلك الأنبياء داوود وسليمان وابناء سليمان.
بعد وفاة النبي سليمان”ع” إختلف أولاده فانقسمت مملكته إلى مملكتين.
الأولى في الشمال وتسمى (مملكة إسرائيل) أو (مملكة السامرة) وعاصمتها مدينة نابلس.
والثانية في الجنوب وهي (مملكة يهوذا) وعاصمتها أورشليم (القدس).
دمرت وانتهت مملكة الشمال في عام (721 ق.م) على يد الآشوريين.
وبعد ذلك بحوالي 150 سنة دمرت المملكة الثانية مملكة يهوذا على يد البابليين.
هذا هو تاريخ اليهود في فلسطين حسب المنطق التاريخي.
وأما حسب المنطق السلالي (الجيني) والديني
فيعتمد يهود اليوم في قولهم إن القدس لهم على وعد الله للأنبياء إبراهيم وموسى بأنه سوف يمكن ابناءهم من تملك هذه الأرض.
فهل يهود اليوم كلهم من أبناء الاسباط ال12 المذكورين في التوراة؟
إن يهود اليوم لا علاقة سلالية وجينية بينهم وبين يهود التوراة العبرانيين.
إن يهود اليوم مجرد شتات من امم واعراق وشعوب مختلفة وتعود جذور أغلبهم إلى مملكة الخزر التي قامت في جنوب روسيا قبل (850 سنة) وقد اعتنق ملوكها اليهودية لأسباب سياسية حتى يبعدوا عن شعبهم تأثير المسلمين والمسيحيين.
أما يهود التوراة أو إمتداد نسل ابناء يعقوب فقد تعرضوا لأكثر من 20 إبادة جماعية عبر تاريخهم تمثلت في هجمات الآشوريين والبابليين والرومان والحثيين والميديين والمصريين والفرس
وقد كانت تقوم بينهم ثورات تنتهي بمقتل عشرات الآلاف منهم.
كذلك السبي والتشريد مثل السبي الآشوري الأول و السبي البابلي الأول والثاني. والذي عمل على شتاتهم واختلاطهم بباقي الأمم واعتناقهم للديانات الأخرى مثل المجوسية والمسيحية والبوذية.
فعلمياً وحسب الانثروبولوجيا (علم الإنسان) وحسب علم الجينات والسلالات البشرية فهناك تنوع هائل عرقياً وسلالياً وقومياً بين يهود اليوم حيث لا علاقة بينهم ولا اتصال نسبي يوحدهم.
وكان من أبرز المتصدين لذلك وبيان هذا هو المفكر المصري المرحوم (جمال حمدان) في كتابه القيم (اليهود انثروبولوجياً) الذي إنتهت حياته مقتولاً في شقته مع اختفاء مسودة كتاب من عشرة أجزاء كان يعده عن تاريخ اليهود وبيان زيف ادعاءاتهم.
وكذلك ما بينه الإعلامي والمؤرخ اليهودي المُنصف (آرثر كوستلر) في كتابه (السبط الثالث عشر) والكتاب بحث علمي قيم ورصين وجاء عنوانه بصيغة تهكمية فالمعروف إن الاسباط 12 سبط، فجاء العنوان للتهكم على إلحاق يهود الخزر والشتات بباقي اليهود.
قبل قيام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين شجعت أفرع الصهيونية على الهجرة إلى فلسطين لتشكيل تكتل بشري ضخم، ونتيجة لذلك قدمت تسهيلات وعروض مغرية مثل النقل مجاناً والوظائف والمزارع لذلك اتجه الكثير من فقراء روسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وشرق أوربا الى الهجرة الى أرض فلسطين خلال الفترة الممتدة من (1920 إلى 1970) وطرد السكان الأصليين بالإرهاب والقوة والظلم وهي أكبر عملية تطهير عرقي في العصر الحديث، ولم يكونوا جميعهم من اليهود بل إن المحكمة الإسرائيلية العليا عرفت اليهودي بقولها (اليهودي هو كل من يرى نفسه كذلك) وهذا تعريف غريب ويفتح الياب لكل من يريد الهجرة بصفته يهودي وهذا التعريف جاء لفسح المجال لهجرة أكبر عدد ممكن من البشر.
فكيف يمكن المطالبة بأرض لشعب آخر بناءاً على وعد ديني قبل آلاف السنين جاء عن طريق كتاب مشكوك لا بل مقطوع في عدم صدقيته وهو التوراة والذي هناك إجماع تاريخي على انه مقتبس بنسبة كبيرة من الأساطير السومرية والبابلية والتي هي سبقت اليهودية.
فالمعروف والثابت إن التوراة تمت كتابته في بابل إثناء السبي البابلي الثاني.
حسب المنطق التاريخي والاجتماعي والديني والعلمي (ليس هناك) أي حق للصهاينة بأن يطالبوا بحكم أرض فلسطين و مدينة القدس.
وإن ما يقال عن إنها أرضهم هي مجرد (بروباغاندا) يتم توجيهها لتزييف الحقائق التاريخية و العلمية ولتغطية احتلالهم بغطاء زائف.
المصادر
1- التوراة / سفر التكوين
2- اليهود انثروبولوجياً / جمال حمدان
3- السبط الثالث عشر/ آرثر كوستلر
4- القدس عبر التاريخ / ميخائيل مكسى إسكندر
5- التاريخ القديم لليهود / توماس طومسون / ترجمة صالح علي سوداح
6- الجذور التاريخية للقدس / د.عبد الناصر الفرا
7- التطهير العرقي في فلسطين/إيلان بابيه