حمزة مصطفى |
هذا العنوان مستعار من التراث وله حكاية لانريد الخوض في دلالاتها ومدلولاتها. مايهمني من العنوان هو مفردة “الصباح” التي لم تكن قبل 1450 سنة عنوانا لصحيفة ولدت مطلع القرن الحادي والعشرين بعد بدء العد التنازلي للصحافة الورقية. وردت الصحف الأولى في القران الكريم التي هي صحف إبراهيم وموسى التي كانت على مستوى الأحكام بخلاف هدهد سليمان الذي قام بدور الإعلامي على صعيد التبليغ السريع بمايشبه الأنترنت في عصرنا. فحين سأل النبي سليمان غاضبا عن غياب الهدهد الذي تأخر لكنه جاء بما لم يحط به علما حتى النبي سليمان حين قال له “وجئتك من سبأ بنبأ عظيم”.
ولأن لغة الصحافة المعاصرة ومنها “الصباح” الجريدة لا الصباح الذي يحمد القوم عنده السرى تعتمد الخبر لا النبأ فإن للعلامة المرحوم محمد شحرور تفسير للفرق بين النبأ والخبر. فالأول يأتي من خارج إدراكنا والثاني أي الخبر ضمن إدراكنا لذلك يقول التلفزيون اليكم نشرة الأخبار لأننا نعرفها كونها جزء من مدركاتنا (إستقبل. ودع. البيان اليومي لإصابات كورونا. مطاردة قواتنا المسلحة لفلول داعش. إجتماعات مجلس الوزراء).
حين حل عصر أبوتمام لم تكن هناك صحف على غرار الصباح العراقية أوالقبس الكويتية أوالأهرام المصرية أوالشرق الأوسط السعودية أو نيويورك تايمز الأميركية أو البرافدا الروسية أوكيهان الإيرانية أو الغارديان البريطانية أو الفيغارو الفرنسية. تفرد أبو تمام بالساحة قائما بدور الناطق الإعلامي لجيوش المعتصم وهو القائل في قصيدة لايزال الدهر أحد أشهر رواتها من رخصة عمنا أبو الطيب المتنبي (السيف أصدق إنباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب). أبو تمام لم يقل السيف أصدق أخبارا بل إنباء لأنه يدرك غريزيا الفرق بين الخبر والنبأ.
“الصباح” الجريدة التي تستضيفني كاتبا ضمن كتاب رأيها منذ نحو أربع سنوات أتاحت لي فرصة مخاطبة من تبقى من قراء الورق. وقراء الورق يعتبرهم “الفيبسوكيون والتوتيرون واليوتيبون وباقي الإنترنيتون “دقة قديمة” لأنهم يقرأون أون لاين بينما نحن نتصفح الورق نتشمم فيه رائحة الحبر والبليت وأصوات المطابع حتى لو كانت بعيدة عنا عشرات الأمتار.
“الصباح” الجريدة التي ولدت بعد عام 2003 لتمثل منهجية الإعلام الرسمي والتي أكملت الآن عامها السابع عشر تمثل آخر حراس قلعة المصداقية والموثوقية والمهنية هي وسواها من الصحافة الورقية. فهذه الصحف لاتزال برغم قلة قراءتها ورقيا وإنتشار مطالعتها وتصفحها الكترونيا لاتملك الإ أن تتعامل بكل جدية وأحيانا قسوة وإحترافية مع ما يردها من أخبار أو تحقيقات أو مقالات أو تقارير. لذلك الخبر في الصحيفة ومنها الصباح لايموت مثل خبر الوكالة أو حتى الفضائية. صحيح خبر التلفزيون موثق بالصورة وبالصوت لكن حتى الصوت والصورة لايرقى الى مستوى الوثيقة المكتوبة مثلما هي مدونة في الصحيفة الورقية.
لذلك أقول إن عمر الصحافة الورقية وإن تراجع لصالح المنصات السريعة لكن القارئ الذي إتجه الى ماهو سريع في القراءات والتصفح والإطلاع لايزال يبحث عن الرواية حتى لوبلغت 1000 صفحة لأنه يجد فيها وحدها ما يجعله واثقا من الحقيقة بين دفتي كتاب مطبوع وثقيل الوزن. الجريدة الورقية ذات المصداقية العالية لاتزال قادرة على الدفاع عن الحقيقة لأنها وحدها قادرة على توثيقها فضلا عن حراستها.