إيليا إمامي Ailia_Emame ||
تعودت في جميع مقالاتي أن أبدأ بنظرة عامة .. ثم أعالج بعض الاشكالات .
واسمحولي اليوم أن أعكس الأمر .. لأبدأ بالعلاج .. وأنتهي بالنظرة العامة .
* كتبت يوم أمس تغريدة بسيطة من 4 أسطر قلت فيها ( الأحزاب .. السياسية .. الشيعية حالفة بروح سيد قطب تصادر التشيع وتنهي وجود المرجعية النجفية من الأساس مهما كانت مقدسة لدى الناس .. فوجودها مشكلة وعقبة لهم حتى وإن صبرت على فسادهم .. لأن نهج التشيع بالضد من تقاسم السلطة ولايمنح لقب (أمير المؤمنين) لأي حاكم مادامت هناك مرجعية(مستقلة) .
* وقد أنقسمت ردود الاخوة الكرام الى ثلاثة أقسام :
الأول : مؤيد بالمطلق .ولست أدري هل كان التأييد عن دراية وإحاطة بالموضوع أم عن استذكار بعض الشواهد..أم بسبب النقمة على هذه الأحزاب وفشلها في إدارة الدولة ؟ (وبعبارة أشمل فشلها في كل شي ) .
الثاني : معترض على لغة التعميم .. ويريد منك أن تقول (بعض الأحزاب) .
فهو يرى أن هناك استثناءات وأن بعض الأحزاب السياسية (الشيعية) تناصر المرجعية وتحرص على وجودها المعنوي والشعبي وحفظ مقامها المقدس .
* لكن الذي لاحظته في ردود هؤلاء الأخوة الأعزاء .. أنها طالت وعرضت وبلغت صفحات في نقد لغة العموم وضرورة رعاية الاستثناء..ولكنها كانت تفتقد شيئاً جوهرياً (من المستثنى)؟
أنهم لم (ولن) يذكروا لنا ولا لمرة واحدة اسم ذلك الحزب المستثنى !
لم يتسائل الأخ المعترض .. إذا كان يتوقع مني أن أستثني حزبه .. فما حال الآخر الذي يتوقع استثناء حزبه هو ؟
يقال أن أحدهم عاب على صديقه البخل وحب المال .. فقال له صديقه كلامك كذب .. وإتهامك باطل .. فقال له ( كذبني بعزيمة واحدة ) .
* عندما ترى أحدهم يطلق حكماً عاماً ( كما فعلت في تغريدتي ) ويصف الجميع بلون واحد .. وأنت تعتقد أنه مشتبه في حكمه العام .. فالمنطق يقول : لاتطالبه بالدليل لأنه أساساً يرى بلون واحد .. فعليك أن تفترض بأنه قاصر النظر و مصاب بتشوش الألوان وتعطيه لوناً مغايراً يستطيع تمييزه .
* يعني ( كذبني بعزيمة واحدة ) وأظهر خطأ الحكم العام .
أما لو كررت ألف مرة أن ( التعميم خطأ ) من دون أن تذكر حزباً واحداً ضحى بمكتسباته .. فكيف عرفت أن التعميم خطأ ؟
هاتها جريئة صريحة .. وقل أن حزب فلان ضحى بمكتسباته لكي لاتكسر كلمة النجف .. وبقي وفياً للنجف على طول الخط .. لأن المرجعية ووجودها المقدس أحرص عنده من وجوده .
أعطني حزباً واحداً استفزه ( زعل المرجعية ) وإغلاق بابها لسنوات .. فانتفض وقال : لاقامت لنا قائمة ومرجعنا غاضب منا .. ووقف بشجاعة وقال ( إما اصلاح الوضع أو الخروج من هذه الطبقة السياسية الظالمة ) .
أين هذا الحزب دلونا بالله عليكم .. نحن ننتظر .
* ربما تكون القشة الأخيرة التي يتمسك بها هؤلاء الاخوة تعامل المراجع حفظهم الله مع بعض الشخصيات الحزبية باستقبالهم والحديث معهم أو مراسلتهم .. وهذا لايقدم ولا يؤخر وماهو إلا إيهام للنفس .. فالمرجعية تستقبل الشخصيات العامة لأجل المصالح العامة .. ويبدو أن أرشيف هؤلاء الإخوة عن تاريخ المرجعية ضعيف جداً .. ولايعلمون كم وكم من الطواغيت والظلمة والفاسقين كان الأئمة عليهم السلام ومن بعدهم المرجعية الشيعية تتعامل معهم حفظاً للصالح العام للناس .
أردوغان بعد أن استقبله السيد المرجع حفظه الله بسنة واحدة بدأ بتصدير الإرهابيين الدواعش الى العراق .. فمن قال أن تعامل المرجع مع شخص سياسي يعني صك براءة له ؟!!
#الثالث : معترض يقول ( أنت تقصد ولاية الفقيه ) وأنا أتفهم مدى التوتر النفسي لدى هذا الصنف .. ولكن على الأغلب هم قراء ومتابعون جدد لهذا القلم المتواضع .. لذلك يصدقون ما يقال أني ( ضد ولاية الفقيه ) .
انصحك هنا أيها العزيز بالرجوع الى الملف العراقي الإيراني الذي كتبته قبل أيام لتعرف أن موضوع ولاية الفقية حكم شرعي لاعلاقة له بالسياسة .. وقد دافعت عن هذه الفكرة بكل قوة في الملف فراجع .
* وتأكد ياصديقي المنفعل أن أتباع الأحزاب لن يقولوا بصراحة ( نحن نرد عليك دفاعاً عن أحزابنا ) بل سيجدون دوماً ما يعتذرون به .. وحسبك من فساد هذه الأحزاب وسواد وجهها أن أتباعها يخجلون من الدفاع عنها بصراحة .. بل يبحثون عن مبرر هنا وسبب هناك ليهاجموك .. وما يهاجمون إلا أنفسهم عندما يغرقون ويغرقون الناس معهم .
وعلى كل حال .. نعود للنظرة العامة حول الوجود السياسي الشيعي ونختزلها في نقاط ( مع التنبيه أن هذا مقال وليس ملف كامل أو كتاب لأسهب في ذكر الشواهد التاريخية .. فاعتمادي على معرفة القارئ الكريم أو رغبته بالمطالعة ) .
١)) التنظيم السياسي للشيعة منذ عصر الأئمة عليهم السلام مروراً بزمن الغيبة وحتى اليوم كان خارج دائرة المرجعية ولا يتصل بها في شيئ .. وليس السيستاني وحده من وقف من جميع الأحزاب مسافة واحدة حفاظاً على دور المرجعية الأبوي ..بل هو منهج الألف عام .
* وعندما أقول ذلك فأنا أعي جيداً ما يقد يرد في ذهنك من شواهد قد تبدو مخالفة لما أقول ( كتأسيس حزب الدعوة برعاية أولاد السيد محسن الحكيم والشهيد الصدر ) ولاحظ في ذلك شهادة السيد محمد باقر الحكيم في كتابه ( حوارات ) ليتضح لك ما أقول .. وتدرك كم شوشت هذه الأحزاب معلوماتك التاريخية .
* أو شاهد ( تأسيس المجلس الأعلى ) برعاية السيد الخميني .. وراجع في ذلك نفس الكتاب لتعرف المسافة التي وضعها السيد بين كونه مرجعاً وبين تأسيس المجلس .. على أنه كان تنظيماً عسكرياً له مكتب سياسي وليس العكس .
* وكذلك الحال في تأسيس ( الحزب الجمهوري الإسلامي ) على يد السيد الشهيد محمد حسيني بهشتي .. فلم يكن حزب السيد الخميني كما روج له في إيران .. وإن كان حزباً يضم طلبته والمقربين منه .
هذه شواهد عليك أن تطالعها بعمق وتفهم كيف تسير الأمور .. قبل أن تستغلك الأحزاب .
خلاصة هذه النقطة .. أن المرجعية لم تتبن منذ عصر الغيبة وما قبله أي تنظيم سياسي يختص بها .
٢)) هل يعني كلامي في النقطة الاولى عدم الذهاب الى تأسيس احزاب سياسية ؟ كلا بالتأكيد فالأحزاب ( وبثوبها الإسلامي أيضاً ) ضرورة لابد منها .. وإذا كان قول المرجعية الصريح ( نظموا صفوفكم ) لا يعني صناعة تشكيلات سياسية بديلة .. فماذا يعني بالضبط ؟ !!
خلاصة هذه النقطة أن الأطر التنظيمية ( الأحزاب ) لابد منها .. ولكن عندما ترفض المرجعيات الدينية تبنيها .. فعليها ان لاتكون ولداً عاقاً بل تدرك خطورة الأكل من رصيد المرجعية .
يجب على كوادر الأحزاب ان تبقى مقيدة بآراء العلماء ومبانيهم .. لا أن تتمرد عليهم عندما لاتقدر على امتصاصهم .. كما حصل في الكثير من الشواهد السابقة واللاحقة .
٣)) إذا كانت الأحزاب الحالية غير مرتبطة بالمرجعية من جهة .. ولا تأخذ بتوجيهاتها من جهة أخرى .. فلا شك أن وجود المرجعية عقبة في طريقها .
الجميل في الإخوة الذين يردون بانفعال على كلامي .. أنهم لايفكرون بطريقة حزبية بل دينية .. فهم بحسن ظنهم لايتصورون أن هناك من يجلس ويفكر باستغلال المرجعية ونفوذها المعنوي وطاقتها الروحية .. ولا يتخيلون أبداً أنه في حال فشل سيسعى لإزاحتها من طريقه !
شاهدنا بعض الأحزاب استطاعت الاستفادة من وجود مرجعيات معينة .. بينما احزاب أخرى اتفقت على الكتابة ضد مرجعيات لم تستفد منها .. وهكذا .
السبب في ذلك أن القائمين على هذه الأحزاب لم يتلقوا القدر الكافي من تهذيب النفس ورياضة الأخلاق بحيث يقدمون مصالح المذهب على مصالح أحزابهم ! ويريدون من يخلع عليهم لقب أمير المؤمنين وليس فقط الزعيم .
وأين مصالح المذهب من كل هذا اليوم ؟ هل تراها ؟
وخلاصة المقال : مالم تنظموا صفوفكم بأشخاص مستقيمين يعرفون أن الحزب مجرد وسيلة للخدمة لاوجود موازي للمرجعية .
مالم نخلق كوادر حرة وقادرة على صناعة مجدها بدون الترزق من سفرة المرجعية وسمعة المرجعية بمنتهى الدناءة ..
مالم تتغلبوا على سحر الخطاب الديني الذي يحشون به أدمغتكم بأنهم وحدهم أمل الإسلام ..
فلن تشهد الساحة الشيعية أي تقدم .
* نحن في ظل تجاذب طرفين .. ليس من الصحيح أن يذوب أحدهما ( المرجعية ) في الآخر .. بينما يرى الآخر ( الأحزاب ) أنه أكبر من الذوبان في وجود المرجعية بوصفها ( العجوز النعسان المتباطئ المقيد بالأحكام الشرعية الذي لايتيح له المساحة الكافية للحركة ولا يؤمن بمبدأ ميكافللي الغاية تبرر الوسيلة )
المرجعية لن تذوب في الأحزاب .. فهل سنشهد احزاباً تذوب في المرجعية ؟