الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي|
من الواضح أهمية ومكان رجل الدين في المجتمع وأثره الكبير في خدمة الجميع, ولطالما اهتم الله تعالى باختيار من يتكلَّفون بهذه الوظيفة باعتبار ان هذه الوظيفة ينماز عن الكثير من الوظائف بما يستلزمها من الصدق والوفاء واليقين وحمل الامانة زيادة على ذلك ما يتعلق بحسن السيرة والنسب والاخلاق وقوة الشخصية وغيرها من المسائل التي يمكن ان تكتمل معها شخصية رجل الدين او المبلغ عن الله تعالى, وقد ورد عندنا في الاثر أن المبلغ عن الله يؤدي وظيفة الانبياء والاولياء الذين قال فيهم الله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
ومما لا نختلف عليه أن هناك حاجة كبيرة إلى رجل الدين في المجتمع, ففي كل ما يتعلق بالإنسان هناك حاجة له, فمثلاً في أحكام الولادة والزواج والموت وتفاصيل الاعمال الكثيرة وبيان الاحكام الشرعية في مختلف مسائل الحياة نرجع إلى رجل الدين ونسأله, ولا يتكلف في الاجابة؛ بل يعتقد أنه يؤدي خدمة مفروضة عليه وإذا تعذر عليه لربما أشغل نفسه بالبحث والسؤال ليصل مع السائل إلى اجابة ومعالجة لمشكلته.
ولم يقتصر عمل رجل الدين على ذلك؛ بل هو الباب المفتوح لمن يرغب في ساعات الشدة والعوز, فقد أثبتت التجربة ان رجل الدين الحقيقي يحمل هم المجتمع بأكمله, ويسعى على الدوام لإصلاح الفرد والمجتمع, ولا يخفى أن رجل الدين قد حمَّل نفسه معاناة الآخرين, وجعل من حاجات المجتمع حاجته, وبادر إلى الاسعاف في أحنك الظروف, وقد لاحظنا ذلك بوضوح من خلال تجربتنا مع رجل الدين الذي نذر نفسه لخدمة الدين والانسان والمجتمع, ولم يتأخر طرفة عين عند الحاجة إليه؛ لأنه يشعر بالمسؤولية الشرعية تجاه الآخرين, وهذا ما وجدناه واقعاً من المرجعية الدينية التي واكبت الاحداث لحظة بلحظة ولم تقصر طرفة عين مع الجميع باختلاف أجناسهم وقوميَّاتهم وألوانهم ومذاهبهم, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل في تجربتنا مع أعداء الانسانية داعش تخلى عنا الجميع إلا رجل الدين, فقد بادرت الجمهورية الاسلامية إلى نصرتنا بعد ان تخلت عنا امريكا وجميع العمق العربي والدول الاخرى وهمَّت الجمهورية الاسلامية بالوقوف معنا صفاً واحداً, ولم تمِّيز بين أبناء العراق؛ بل حتى الاقليم الذين يشهدون وعلى أعلى المستويات انه لولا ايران لما كان هناك قدرة على مواجهة داعش وردِّها, ولو تأملنا الأمر لوجدنا أن سبب ذلك القيادة الدينية التي تشعر بالمسؤولية امام الله تعالى وتعالج المسائل على وفق رضا الله تعالى ولا تنتظر كلمة الشكر من أحد.
وعلى الرغم من كل ما تقدم فان رجل الدين عرضة للتسقيط والتشويه, فأينما نجد رجل الدين يبادر الكثير من أنصاف الرجال إلى تسقيطه دون الآخرين فمثلا اليوم تتعالى الأصوات بالحديث عن رجل الدين الفاسد في البرلمان في حين أن هناك شبهات على الكثير وقد يكون رجل الدين هو الافضل في هذه المؤسسة قياسا بالآخرين, وإذا توجهنا إلى الشارع والمجتمع فنجد ان الكثير يجعل من مادته الاعلامية تسقيط رجال الدين وفي عموم المواقع, والمشكلة الأكبر أن الناس يذهبون إلى تأييده ونصرته, وهذا هو النجاح الذي كان يتأمله أعداء الدين, ولطالما سعى الظالم إلى تحقيق هذا المطلب؛ لأنه يعلم أن رجل الدين له بالمرصاد ولا يمكن ان ينجح إلا بتسقسطه, فيلجأ أحيانا إلى صناعة بعض رجال الدين الذين يتزينون بلباس الدين ويفعلون افعال الغافلين فيشوهون مكانة رجال الدين وبالتالي يعملون على تسقيطه, فيتحقق بذلك أهداف أعداء الدين, ومثال ذلك (محمد عبد الوهاب) الذي كان بحق مثالاً واقعيا لرجل الدين الفاسد فأقام مؤسسة فكرية فاسدة وأثمرت أفكاره عن صناعة داعش والقاعدة, وبذلك سقط قيمة أكثر رجال الدين في عيون المجتمع, وأصبح الاسلام منتجاً في نظر البعض للفتنة والخراب فعزف الناس عن الاسلام بعد أن تعرفوا على بعض رجاله.
الأمر المهم في هذه المسألة هو متعلق برجل الدين وأثره وفكره, ومن أنتجه ووجهه, فمن باع أخرته بدنيا معاوية ليس له إلا هذه الدنيا الفانية, ومن كان همه الاصلاح وبناء الانسان والمجتمع فهذا الذي ينبغي أن يلتفَّ حوله الجميع ويعملوا تحت رايته, لأن رايته هو راية الاسلام وراية الاسلام هو راية رسول الله صلى الله عليه وآله وهو راية الله تعالى, وعلى الجميع أن يدرك أن مشروع اسقاط رجال الدين الحقيقيِّين هو مشروع استعماري تمارسه القوى الشريرة, وتعمل عليه بمختلف الوسائل, وقد أوعزت إلى جيوش السفارة وأبناء المنظمات المرتبطة بهم إلى العمل على خلق فجوة بين الدين ورجاله والمجتمع؛ لأن هذا الأمر يسِّهل عليهم الكثير من الصعاب ويمكِّنهم من تمزيق وحدة الشعوب وافراغها من عقائدها وأفكاره الاسلامية الصحيحة لتكون أسيرة لأفكار الغرب وسياساته التي تناهض الاسلام والمسلمين.