جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف العصبية القبلية ومقتل الحسين”ع”

العصبية القبلية ومقتل الحسين”ع”

حجم الخط

 

محمد البدر|

عداوة قريش لبني هاشم وعداوة بني أمية خاصة لبني هاشم معروفة قبل ظهور الإسلام، وبعد الإسلام أضيفت لها أحقاد وثارات جديدة وتداخلت فيها العنصرية والعصبية القبلية وحب الثأر والانتقام مع السياسة لينتج عنها مقتل سبط الرسول”ص” وسيد شباب اهل الجنة الحسين بن علي”ع”.

القبائل العربية من أكثر التجمعات البشرية تسابقاً للفخر والإعتزاز وحب الثناء والمدح وتشتهر بالحقد و حب الإنتقام و التمسك بالثأر ولو بعد عشرات أو حتى مئات السنين.

قبل الإسلام
في حدود سنة 440م إنتزع (قصي بن كلاب) الجد الأعلى للرسول”ص” السيادة على مكة من قبيلة خزاعة وجمع البيوتات القريشية حول الكعبة بعد إن كانت متفرقة وأخرج منها قبيلة خزاعة وأصبح سيد مكة المُطلق وجمع مناصب الشرف والفخر في مكة وهي (السقاية والرفادة واللواء والندوة والسدانة).
كان لقصي عدة أولاد لكن من برز ذكرهم ودار حديث التاريخ حولهم هو إبنه الأكبر (عبدالدار) و إبنه الثاني (عبد مناف).
و يذكر أصحاب السير والمؤرخون أن عبد الدار كان خامل الذكر وليس له مهابه وسياده عكس أخوه عبد مناف جد النبي”ص” فأراد قصي تشريف إبنه عبد الدار فأسند إليه جميع المناصب السابقة.
كان لعبد مناف أربعة أولاد هم
(هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل).
بني عبد شمس وبني نوفل كانا دائماً معاً و بالضد من بني هاشم وبني المطلب.
بعد وفاة الإخوة (عبد الدار و عبد مناف) طالب أولاد عبد مناف من بني عبد الدار أن يسلموهم نصف المناصب.
وكان أبرز المطالبين (هاشم) وقد إجتمع معهم عدد من افخاذ قريش وتحالفوا فسمي حلفهم (حلف المُطيبين).
في المقابل اجتمعت افخاذ أخرى من قريش مع بني عبد الدار وتحالفوا فسمي حلفهم (لعقة الدم). وتهيئوا للحرب لكن تصالحوا على أن يعطوا لبني عبد مناف السقاية والرفادة ويحتفظ بني عبد الدار باللواء وسدانة الكعبة وتكون دار الندوة بإدارة الطرفين.
تولى (هاشم) خصيصاً الرفادة والسقاية من بين اخوته من بني عبد مناف.
بعد ذلك حاول (أمية بن عبد شمس) جد بني أمية أن يزاحم عمه (هاشم) بالمكانة وكان (هاشم جميلاً وسيماً مهاباً عليه هيبة الملوك وكان أمية ذميم دنيء قبيح المظهر) فكان يحسد هاشم ويحاول بلوغ مكانته عند العرب.
ذات مرة تحاكما لكاهن يمني وكان بينهم رهان فحكم الكاهن لهاشم بالفضل والرفعة والشرف والفخر فدفع أمية لهاشم 50 ناقة ذبحها هاشم ووزعها على أهل مكة وجلى أمية من مكة 10 سنوات قضاها في الشام حسب شروط اتفقا عليها مسبقاً يلتزم بها الخاسر.
خلال هذه العشر سنوات كان (هاشم) سيد مكة المطلق لايدانيه أحداً في المكانة وكانت الملوك تفتخر إذا حل ضيفاً عليها.
بعد رجوع أمية من منفاه في الشام وجد ان (هاشم) قد مات وخلفه ابنه (عبد المطلب) في السيادة على مكة وبيده السقاية والرفادة وله نفس مكانة ومهابة أبيه وكان يَفد على الملوك فيميزوه بالتعامل عن بقية شيوخ قريش وعظمة مكانته بعد حادثة (أبرهة الحبشي) وبعد حفره لبئر زمزم وترك الناس لباقي آبار قريش.
وقد سن سنن أقرها الإسلام مثل دية القتل وقطع يد السارق (بشروط) والنهي عن وأد البنات وغيرها، وبذلك إنظم أمية لحلف لعقة الدم بالضد من بني هاشم حسداً منه وعداوة فأصبحت جميع قريش تقريباً ضد بني هاشم لا لسبب سوى أنهم افظل منهم وأشرف وأبعد صيتاً.
عمد أمية الى منافسة (عبد المطلب بن هاشم) وهو ابن عمه سعياً منه للإنتقام ورد الإعتبار لنفسه وثأراً من بني هاشم فطلب منه أن يتسابقى على الخيل و وضع شروط اقسى على الخاسر ومنها ان يكون الخاسر عبداً عند الفائز لمدة سنة وأن يَجز الفائز ناصية الخاسر بمعنى ان يحلق مقدمة شعر رأسه وهو علامة إذلال و عار عند العرب، فاز (عبد المطلب) و مرة أخرى يُهان أمية ويخسر وبقي 10 سنوات عبداً عِند عبد المطلب حيث افتدى جز ناصيته بعبودية 9 سنين.
وبمرور الزمن سطع نجم (عبد المطلب) أكثر وارتفع صيته فكانت صدور رجال قريش تغلي عليه حقداً وحسداً لكنها لاتظهر ذلك مهابة له وخشية من سطوته فالمعروف عن القبائل العربية أن كل قبيلة لا تحب ان يشتهر أحداً من القبائل الأخرى بالمجد والسيادة وأسباب العزة والشرف وحتى داخل القبيلة الواحدة كل فخذ لا يحب أن يكون في البقية من هو خير منهم (هذه العصبية القبلية مستمرة إلى اليوم).
مــات (عبد المطلب) وخلفــه فــي الزعامة والمكانة ابنه (أبو طالب) سيد البطحاء وكان مهاباً شجاعاً شاعراً وخطيباً مفوه وكان حنفياً على ملة آباءه منزهاً نفسه عن ممارسات قريش مثل عبادة الأصنام والربا والخمر وهو أول من سن سنة القسامة في دم القتيل وأقرها الإسلام، وكانت قريش قد توارثت ضده احقاد آبائهم وحسدهم وبغضهم وكان أبرزهم حسداً له أبو سفيان وأكثرهم غيضاً عليه.

ظهور الإسلام
كان بنو هاشم يعرفون بأن نبياً سيظهر فيهم وكان بعض رجال وحكماء العرب والرهبان يعرفون ذلك وينتظرونه.
أعلن الرسول”ص” دعوته ودعى لرفض عبادة الأصنام وتقديم النذور لها وحرم الربا واستعباد الناس واستغلالهم ورفض الظلم والجور وأعلن أن الناس متساوون لا فرق بينهم ولا فضل لأحد على آخر.
في هذا الوقت كانت أحقاد قريش وبغضهم لبني هاشم في أوجها فوقفت ضد الدين الجديد عصبية وحسد لا أكثر وإلا فإن رجال قريش كانوا يعرفون بإن اصنامهم لاتضر ولاتنفع ولم يكن عدائهم للرسول”ص” دفاعاً عن دينهم بل كان عناداً منهم وحسداً لبني هاشم بأن ظهر منهم نبي وقد أشار القرآن الى ذلك بقوله:
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا).
وقد كانا بنو عبد شمس(الأمويون يرجعون لعبد شمس) وبنو نوفل في مقدمة المحرضين والمعادين للرسول”ص” و أشد من يهيجون الناس عليه بغضاً منهم وحسداً ببني عمومتهم من بني هاشم وبني المطلب وفي ذلك يقول (أبوطالب)

أرى أخَوَينــــا مــــن أبينــــا وأمَّنــــا
إذا سُئــلا قــــالا : إلــى غيــرِنا الأمرُ
بلى لهمــا أمــرٌ ولكــنْ تَجَرْجَمــا كما
جُرْجِمتْ من رأسِ ذي العَلقِ الصَّخرُ
أخصُّ خُصوصــا عبدَ شمسٍ ونَوفلاً
هُمــا نَبَذانــا مثــلَ مــا نُبِـــذَ الجَمْــرُ
ومــــا ذاكَ إلا سُــؤدَدٌ خَصَّنـــــا بــــهِ
إلهُ العبــادِ واصطفـــانــا لــــهُ الفَخْرُ
هُمــا أَغْمــــزا للقَــومِ فـــي أخَوَيْهِما
فقد أَصبحــــا منْهُــمْ أكفُّهمــــا صِفْرُ
رِجــالٌ تَمالَــوْا حاســدينَ وبغضــــةً
لأهــل العُــلا فَبينَهُــم أبــــداً وِتْــــرُ
وليــــدٌ أبــوه كــانَ عبــداً لجــــــدِّنا
إلى عِلجَــة ٍ زَرقــاءَ جالَ بها السِّحرُ
فــو اللهِ لا تنفــــــكُّ منَّــا عَــــداوة ٌ
ولا مِنْهمــوا مــا دامَ في نَسْلِنا شَفْرُ
ولو لم يصل إلينا غير هذا النص لكفى به دليلاً على ما نقول.

وكذلك قول الإمام علي”ع” (إن العرب كرهت أمر محمد وحسدته على ما أتاه الله من فضله، واجمعت على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته). وكذلك قوله (واللَّه مَا تَنْقِمُ مِنَّا قُريشٌ إِلَّا إن الله اختَارَنَا عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي حَيِّزِنَا).
لم تكن معارضة قريش للإسلام معارضة عقائدية بمعنى إنهم مقتنعون بديانتهم ويدافعون عنها بل كانت معارضة قبلية/سياسية لأسباب ودوافع عصبية و إجتماعية واقتصادية ضد بني هاشم وقد صرح بذلك بشكل واضح عمرو بن هشام المخزومي (أبو جهل) حيث يقول (تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف. أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان قالوا: منّا نبي. فمتى ندرك مثل هذه؟ لا والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه) ويقول في قول آخر له (والله إنّ محمّداً لصادق وما كذب قط. ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنّبوة فماذا يكون لسائر قريش).

تصور رجال قريش إن هذه الدعوة الجديدة هي مجد وشرف إضافي يضاف لبني هاشم وحَدَث يسبب إختلال في توازن القوة والمناصب بين بطون قريش بشكل يجعلهم أتباع لبني هاشم.
حيق يقول عبد الله بن الزعبرى شاعر قريش
لعبــت هاشــــم بالمُــــلك فلا
خبــــر جــــاء ولا وحــي نزل
لذلك وقفوا ضد الدين بأجمعهم وحاصروا بني هاشم وتكالبوا عليهم واجتمعوا على الرسول”ص” لقتله وهجروه.
وبموت (أبو طالب) فرغت الساحة لبني أمية وبني مخزوم وبقية بطون قريش وأصبح أبو سفيان سيداً قريش وطوال 13 من الدعوة في مكة كان هو وزوجته هند واخته أم جميل (زوجة أبو لهب) يحرضون الناس ضد الرسول”ص” بغضاً ببني هاشم ودفاعاً عن مصالحهم التجارية والإجتماعية وليس لأسباب عقائدية وإن كانوا يغلفون هذا العداء بغلاف تحت عدة مسميات مثل شتم الآلهة وتسفيه آراء الآباء وغيرها وكلها للتغطية على سببهم الرئيسي ولتجميع الناس معهم واثارتهم تحت هذه المسميات.

بعد الهجرة لاحقت قريش الرسول”ص” ولم تدعه يأمن في المدينة وبدأت معه حرب بدر ومنها أخذ العداء بين بني هاشم وباقي قريش طريقاً آخر وفيها قُتل سادة قريش وأبطالهم وزعمائهم وكان عدد قتلاهم 70 قتيل نصفهم بسيف الإمام علي”ع” وقَتل رجال من جميع البطون القريشية المشاركة بالمعركة.
وقتلى بني أمية وأبناء عمهم من بني عبد شمس كانوا بسيفه ومنهم حنظلة بن أبي سفيان وعتبة جد معاوية والوليد خاله وفي ذلك يقول الإمام بجواب له لمعاوية (فأنا أبوحسنٍ قاتلُ جدك وأخيك وخالك شَدْخاً يوم بدر).
وكانت هند بنت عتبة أم معاوية تنعى ابوها وعمهــا واخاهـا بهــذا الشعـرِ
أبــي و عمـي و شقيـق بكري
أخـي الذي كان كضوء البدرِ
بهـم كسـرت يا (علياً) ظهري
وكذلك قَتل عقبة بن أبي المعيط بعد إنتهاء المعركة والذي سيكون فيما بعد لإبنة الوليد بن عقبة الدور الأبرز في التحريض ضد الإمام علي”ع” وضد الحسن والحسين”ع”.
وبهذا تحول العداء لآل أبي طالب خاصة دون غيرهم من بني هاشم، وبعد هذه المعركة لقبت قريش الإمام علي”ع” بلقب (الموت الأحمر) لكثرة من قتل منها.
وفي معركة أحد قتل تسعة من شجعان قريش من بني عبد الدار والذين فيهم لواء قريش وسدانة الكعبة وهم الأعداء القدامى لبني هاشم.
وفي فتح مكة دخل الرسول”ص” مكة وكان الإمام علي”ع” يحمل رايته ويدور فيها في المدينة وقريش لا تستطيع أن تفعل شيئ فقد ذهبت هيبتها وعزها.
ومرة أخرى يقع الأمويين وغيرهم من رجال قريش بيد الهاشميين فيَمُن الرسول”ص” عليهم ويخلي سبيلهم بقوله (إذهبوا فأنتم الطلقاء) فأصبحت منته عليهم باقية في رقابهم ليوم القيامة.
وفي معركة حنين التي حدثت بعد فتح مكة بين المسلمين وخليط من قبائل مختلفة كان للإمام علي”ع” الدور الأبرز فيها كالعادة وأصبحت تلك القبائل معادية لشخصه بالذات فقد قتل حامل رايتهم.
وفي هذه المعركة انهزم جميع المسلمين وكان عددهم 12.000 ولم يبقى منهم مع الرسول إلا تسعة جميعهم من بني هاشم وحلفاءهم.
كانت قريش تبغض الإمام علي”ع” بسبب عقدة النقص أمام بني هاشم عامة وبسبب قتلاها بسيف الإمام خاصة فمثلاً لم يتعرض معاوية ولا عبد الملك بن مروان وأولاده ولا غيرهم من قبائل العرب لبني العباس ولم يعادوهم، كان العداء منصباً على آل أبي طالب وبدون عذر او سبب.
إن تلك المعارك و الأحداث أثارت الأحقاد والضغينة ضد الإمام وكان الرسول يعرف ذلك وله حديث يقول فيه للإمام علي”ع” (ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني) وكذلك قوله
(اتقِ الضغائن التي لك في صدور من لا يُظهرها إلا بعد موتي).
وفي ذلك يقول دعبل الخزاعي
كَيْــفَ يُحِبُــونَ النَبــيَ ورَهطَــــه
وهُــم تَرَكــوا أحشَــاءَهُم وغِراتِ
لقــدْ لايَنُـوهُ في المقالِ وأضمَروا
قُلــوباً علــى الأحقــادِ مُنطَوياتِ
كانت قريش ومجموعة من بيوت العرب تتحين الفرص للإنتقام والثأر من الإمام وقد ورد ذلك في دعاء الندبة المنسوب للإمام المهدي حيث يقول (قد وتر فيه صناديد العرب، وقتل ابطالهم، وناوش ذؤبانهم، وأودع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهنَ، فاضبت على عداوته، واكبت على منابذته) ويقول في موضع آخر متكلماً عن الإمام علي”ع” (والأمة مُصرة على مقته، مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده).
ويذكر شارح نهج البلاغة إبن أبي الحديد المعتزلي هذه الحقيقة بقوله (وإعلم أن كل دم أراقه رسول الله”ص” بسيف علي”ع” وبسيف غيره، فإن العرب بعد وفاته عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب وحده، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده، وهذ عادة العرب إذا قُتل منها قَتلى طالبت بتلك الدماء القاتل، فإن مات، أو تعذرت عليها مطالبته، طالبت بها أمثَل الناس من أهله). وهناك العشرات من الشواهد والدلائل على حقد قريش على بني هاشم وعلى الإمام علي خاصة وبغضهم له ولولده وحسدهم وغيرتهم منهم ومنها قول الخليفة عمر بن الخطاب لعبد الله بن العباس (كَرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة) وسبب هذه الكره تبينه السيدة فاطمة الزهراء”ع” في كلامها لنساء المهاجرين و الأنصار حيث تقول (وما نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطئته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله) وقد كانت قريش سواء الذين اسلموا وهاجروا او الذين دخلوا الإسلام خوفاً يوم الفتح كلهم يتحينون الفرصة للإنتقام والثأر والشاهد ودليل ذلك هو قول الزهراء”ع” بعد ان تعيرهم وتذكرهم بماضيهم وتذكرهــم بجهــاد الإمــام علــي”ع” فتقــول (وأَنْتُم فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبّصُونَ بِنا الدوائِرَ، وتَتَوَكّفُونَ الأخبار)
وما إبعاد الإمام علي”ع” عن الخلافة بسقيفة بني ساعدة إلا بسبب بغض قريش له وحقدهم عليه وبقرار عصبية قبلية وكان شعارهم (لا تجتمع لبني هاشم النبوة والإمامة) وبمساعدة بعض الأنصار من قبيلة الأوس والذين لم يكونوا يبغضونه ولكن ساعدوهم نكاية بسعد بن عبادة سيد الخزرج.
فكان تأييدهم وقبولهم بأن يتولى أشخاص من بطون تيم وعدي الخلافة من باب النكاية والتخلص ودفع بني هاشم وخصوصاً عدوهم اللدود الإمام علي”ع” عن سدة الحكم والخلافة وقطع الطريق نحو وصوله للحكم.فهي لم تكن عن استحقاق وانما تمت نكاية من قريش بالإمام وقد قال الخيفة عمر بن الخطاب (إن علياً لأحق الناس بها ولكن قريشاً لا تحتمله) وقد أشار لذلك الشاعر دعبل الخزاعي بقصيدته التائية المشهورة والتي تعتبر مستند تاريخي حيث يقول
ما نال أصحــابُ السقيفــةِ إمــرة
بدعــوى تُــراثٍ، بــل بأمــر تِراتِ
والتراث بمعنى الإرث و الترات تعني الحقد.

وقد صرح الخليفة عمر بن الخطاب أكثر من مرة أن قريش كرهت ان يتولى بني هاشم الخلافة فيزدادون تكبراً وزهواً على باقي قريــش وذكــر ذلــك فــي حــواره الشهيــر مع عبــد الله بن عبــاس حيــث يقــول (كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجخفوا الناس جخفا، فنظرت قريش لنفسها واختارت) وتجخفوا جخفاً تعنى تزدادوا زهواً ورفعة وتكبر.
وكذلك قوله (والله، ما فعلنا الذي فعلنا معه عن عداوة، ولكن خشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها).
وكذلك قوله (لا تجتمع عليه قريش أبداً ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها).
ولم تكن قريش مقتنعة بالدين حتى بعد إسلامها ولم تصدق رسالة الرسول”ص” وإنما اتخذت الدين ذريعة و وسيلة لحكم العرب والسيادة عليهم واتخذت إسم الرسول محمد”ص” غطاء وشعار للوصول للحكم والدلــيل هو قول الإمام (ولولا أن قريشا جعلت إسمه ذريعة إلى الرياسة وسلماً إلى العز والأمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً) وكذلك قول الإمام السجاد”ع”(أصبحت قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمد منها) وكذلك قول أبو سفيان بعد إختيار الخليفة عثمان بن عفان للخلافة حيث خاطب أبو سفيان بني أمية بقولــه (تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار وإنما هو ملك وما زلت أرجوها لكم حتى تصير لصبيانكم وراثة) وكذلــك قولــه لعثمان (قد صارت إليك بعد تيم وعديّ، فأدِرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أُميّـة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جَنّـة ولا نار) وبذلك تمهدت الأمور للطلقاء وأبناء الطلقاء ولمن لهم ثارات واحقاد ضد الإمام علي”ع” أن يتسلموا المناصب القيادية العليا في الدولة مثل حكم الولايات وقيادة الجيوش والسيطرة على الأراضي والأموال لإغراء الناس بها.
إصرار بني أمية طول 60 سنة على سب الإمام علي”ع” على المنابر لحقدهم عليه وبغضهم ولعقدة النقص والوضاعة فيهم ومن دلائل هذا هو قول معاوية وهو يتكلم عن الخلافة (ليتها في وُلدي وذرّيّتي إلى يوم الدين، وأن لا تعلو ذرّيّة أبي تراب على ذرّيّة آل أبي سفيان).
وكان توجيه معاوية للخطباء وأئمة المساجد بسب الإمام علي”ع” إنما ينم عن حقد وخسه وكره للإمام وحسداً منه وبغضاً وفي ذلك يقول الإمام الحسن”ع” لمعاوية ( شتمتني وسببتني فحشاً منك وسوء رأي وبغياً وعدواناً وحسداً علينا وعداوة لمحمد”ص” قديماً وحديثاً)
كان الإمام علــي”ع” دائمــاً يذكــر قريش بالســوء ويدعــوا عليهــم ويذمهــم ومنها قوله الذي كان يردده دائماً (اللهم إني استعديك قريش)
وكذلــك قولــه (اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم أضمروا لرسولك ضروباً من الشر والغدر فعجزوا عنها وحلت بينهم وبينها، فكانت الوجبة بيّ والدائرة عليَّ، اللهم احفظ حسناً حسيناً ولاتمكن فجرة قريش منهما مادمت حيا)
وهناك نص يؤكد فيه الإمام هذا الحقد حيث يقول (كل حقد حقدته قريش على رسول الله ”ص” أظهرته فيَّ وستظهره في وِلدي من بعدي , مالي ولقريش) .
وكذلــك قولــه (اللهم اجزِ قريش عني الجوازي فقد قطعت رحمي وتظاهرت عليَّ ودفعتني عن حقي)
وكذلك قوله (اللهم اخزِ قريش)
وكذلك قوله في صفين
تلكــم قريــش تمنانــي لتقتلنــي
فــلا وربــك لافــــازوا ولاظفروا
لكنها لم تستطع قتله رغم سعيها لذلك مراراً.
ة استشهد الإمام علي”ع” وقلوب قريش وبعض القبائل العربية تغلي حقداً عليه ولها ثارات ضده من قتلاها حتى لُقب (قتال العرب).
وازدادت الثارات ضده بعد الحروب الثلاث الجمل وصفين والنهروان.
تولى الإمام الحسن”ع” الخلافة من بعد أبيه والقلوب ضده كما كانت ضد جده وأبيه وعاداه معاوية وسعى لاغتياله أكثر من مرة وعندما تواجها عسكرياً قبل الصلح عمد معاوية لأغراء قائد جيشه وهو عبيد الله بن العباس وبعض القادة ليسلموه الإمام أسيراً ليطلق سراحه حتى يتخلص من عار إطلاقه هو وأبيه يوم فتح مكة.
ويقــول عتبة بن أبي سفيان للإمــام الحســن”ع” (يا حسن إن أباك كان شر قريش لقريش أقطعه لأرحامها وأسفكه لدمائها)
بالنهاية إستطاع معاوية ان يقتل الإمام الحسن’ع” وبطريقة تدل على مدى خسته ونذالته لكنها لم تكن قتل بمعنى أخذ الثأر والانتقام وإنما كانت عملية إغتيال سياسي بإمتياز. ولو إستطاع لما ترك من بني هاشم أحد كما أخبر بذلك الإمام علي”ع”.

تولى الإمام الحسين”ع” الإمامة بعد أخيه الحسن”ع” وبعد عشر سنوات من إمامته مات معاوية وخلف بعده يزيد .
لم يبايع الإمام الحسين”ع” يزيد ليكون خليفة .
فحسب إتفاق الصلح هو الأحق بالخلافة. والسبب الأول لعدم المبايعة هو رفضه إعطاء الشرعية لحكم حاكم ظالم مستبد وطاغي مثل يزيد.
وبعد عدة أحداث ومواقف وصل الى أرض كربلاء في اليوم الثاني من شهر محرم الحرام لسنة 61 هجرية.
حاول الإمام إعادة المسار الحضاري والإجتماعي للأمة إلى ماكان عليه من نهج صحيح وسعى لإقامة دولة تقدس الإنسان وتحترم و جوده بغض النظر عن انتماءه العرقي أو القبلي وإنقاذ الناس من تسلط وجبروت وظلم بني أمية الذين اتخذوا الناس عبيداً لهم وحكموهم بالحديد والنار وتحت العصبية القومية العربية والقرشية.
ولم تكن غايته وهدفه الحكم لأجل الحكم والتسلط وإنما أراد تصحيح المسار وتنبيه الأمة وكشف زيف بني أمية و تجرئة الناس عليهم وبث روح رفض الظلم والطغيان لدى الناس و وقف إنهيار المنظومة الدينية والأخلاقية والإنسانية للمجتمع الإسلامي الذي حاولوا بني أمية فعله.
كانت الظروف الإجتماعية والسياسية مهيئة لبني أمية وباقي القبائل الموتورة أن يأخذوا ثأرهم من سليل العائلة التي طالما ارغمت انوفهم ومن ابن الرجل الذي قتل آبائهم واهلهم وذويهم.
لقد خطط وحرض مروان بن الحكم الأموي لقتل الحسين”ع” في المدينة أو مكة لكنه لم ينجح وأخيراً تمت الجريمة على يد عبيد الله بن زياد بن أبيه، والذي كان ينَتسِب لبني أمية ادعائاً، فوجه الجيوش بأمر من يزيد وكانوا قادة الجيش بعضهم من الخوارج أو من الموتورين من الإمام علي”ع” وليس أدل على ذلك من جوابهم للإمام الحسين”ع” عندما سألهــم يــوم العاشــر مــن محرم (على ما تقاتلوني) فجاء جوابهم واضحاً (نقاتلك بغضاً منا لإبيك). بل كان شعارهم يوم العاشر (لا تبقوا لأهل هذا البيت باقية) ومنهم من كان يسعى لإرضاء الأمويين ونيل المكانة عندهم عبر مشاركته في الحرب.
ومُخطأ من يعتقد بإن الحسين قُتل بسبب خروجه فقط، فقد صرح هو بأنهم -أي بني أمية- سيسعون لقتله مهما كلف الثمن حتى لو أبتعد عنهم ومنها قوله (وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم). وأي حاجة لهم عنده غير الحقد على ابيه والثأر منه.
وقد بعث يزيد من يغتال الإمام في الكعبة قبل خروجه للعراق وهو مايدل على تخطيط وإصرار مسبق على قتله حتى لو لم يخرج.
وبصورة عامة فإن المسلمين والصحابة خصوصاً كانوا يعرفون بأن الحسين”ع” سيُقتل بأرض العراق فقد كان رسول الله”ص” يقول (إن هذا يُقتل بأرض العراق) وكذلك قوله (أن الحسين يقتل بشط الفرات) ولطالما ذكر أحاديث حول مقتله وبكى عليه وذكر مصيبته.
قُتل الحسين بسيف العنصرية والتعصب والقبلية و الثأر والحقد والتزلف للسلطة وسبية نساءه ولشدة حقدهم ومدى ما يحملون من دناءة خلق وافتقاد مروءة عمدوا الى سحق جسده الطاهر تحت حوافر الخيل ومثلوا به وسلبوه.
ومسألة السلب يمر عليها المؤرخين مرور الكرام فالغريب فيها ان جسده الشريف قد قطع وما كان عليه من ثياب قد تمزقت بفعل السيوف والرماح وتعفرت بدمه الطاهر فما الغاية من سلبها وما الفائدة منها سوى سعيهم للإنتقام منه والتشفي منه بأي وسيلة مهما كانت دنيئة و وضيعة.

و اجتمعت في قَتَلة الحسين”ع” عدة خصال لم تكن في عرب الجاهلية منها الخسة والدنائة والنفاق والتدني الخُلقي وافتقاد النُبل والشهامة.
والنفاق لم يكن موجود في عرب الجاهلية لكنه استشرى بعد ظهور الاسلام! وذلك بسبب التصرفات السياسية من الحكام وامتزاج الخوف من السلطة وحب المال مع سعي الأشخاص لنيل الحظوة وحب الإنتقام والسعي لكسب ود بني أمية والفوز بالاعطيات وإلا فلو كان قتل الحسين”ع” في زمن الجاهلية لما منعوا عنه الماء في آخر انفاسه ولما اعتدوا على نساءه ولما قتلوا الأطفال والرضع بهذه الطريقة فقد كان عرب الجاهلية يأنفون من بعض الأفعال التي ارتكبت بحق الحسين”ع” وأهل بيته .
فلم يحدثنا تاريخ الجاهلية عن طفل بعمر ستة أشهر يقتل عمداً وهو عطشان بتوجيه من زعيم او قائد جي. و إذا كان الرسل والأنبياء و الاوصياء هم حجج الله البالغة على عباده . فإن الطفل الرضيع هو حجة الحسين”ع” البالغة على كل من يكتب ويؤرخ عن الطف و يحاول تبرير شيئاً من أفعال جيش عمرو بن سعد فقد تتم محاولة تبرير قتل الحسين”ع” وأصحابه بشئ من التلاعب بالحقائق والألفاظ وكلام السفسطة والتمويه لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال محاولة تبرير قتل الطفل الرضيع.

إن من يؤرخ ويصور إن مقتل الحسين”ع” كان بسبب خروجه اي لسبب سياسي لا أكثر فإن أفعال وتصرفات وأقوال من قتلوه تدحض هذا المفهوم.
وإلا فما هو تفسير قول يزيد بن معاوية
ليــت أشياخــي ببــدر شهــدوا
جــزع الخــزرج من وقع الأسل
لأهلــــــوا واستهلــــــوا فرحــاً
ثم قالــــوا: يــا يزيــد لا تُشــل
قــد قتلنــا القرم مــن ساداتهم
وعدلنــا ميــل ببــدر فاعتـــدل
لعبــت هاشــــم بالمــلك فــــلا
خبــــر جــــاء ولا وحــــي نزل
لست من خندف إن لم (أنتقم)
من بنــــي أحمــد ما كــان فعل

وكذلك قوله حينما اقتربت قافلة السبايا من قصره وكان على موضع مرتفع يسمى (جيرون) فنظر الى رؤوس الحسين”ع” واهله واصحابه على الرماح وسمع صوت غراب ينعق فأنشأ يقول
لمــا بــدت تـــلك الرؤوس وأشرقت
تــلك الشمــوس علــى ربى جيرونِ
نعــق الغراب فقلت صح أو لا تصح
فلقــد قضيــت من الرسول ديوني

وكذلك قول عمرو بن سعيد الاشدق وهو من بني أمية حينما سمع بكاء نساء بني هاشم بعد إن عرفوا خبر مقتل الحسين”ع” فأنشد قول عمرو بن معد يكرب والذي يتشمت به ببكاء نساء أعداءه
عجــت نســاء بنــي زيــاد عجة
كعجيــج نسوتنــا غــداة الأرنبِ
واضاف عليه قوله
فالآن أشفينــا القلــوب بقتلــه
وسُقــي حسيــن جرعــة لــم تشربِ
وكذلك قول مروان بن الحكم وهو ينظر لرأس الحسين فأنشد يقول
يا حبــذا بــــردك فــي اليــدينِ
ولونــك الأحمـــــر في الخدينِ
‏كأنمــــا حُــــــف بــــوردتيــــن
شفيت نفسـي من دم الحسين‏ِ

يتضح مما سبق أن قتله عليه السلام لم يكن بدوافع سياسيــة فقــط ولا مجــال فيه للقول بان يزيد (اجتهد فأخطأ) فأي اجتهاد يبرر قتل سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول”ص” فكتب الحديث مستفيضة بعشرات الأحاديث النبوية التي قالها الرسول بحق الحسن والحسين”ع” وهي أحاديث لا خلاف عليها بين السنة والشيعة وكل المذاهــب الإسلاميــة متفقــة على إن (لا إجتهاد أمام النص) ثم أي اجتهاد يبرر سبي نساء وأطفال آل محمد”ص”.

إن من يُسوق لإطروحة القتل بسبب الخروج إنما هو يبرر ويحاول يبعد تهمة التآمر القرشي الأموي على أهل البيت”ع” من حيث يعلم أو لا يعلم، وهي تهمة ثابتة ولا ينكرها من إستطلع التاريخ الجاهلي والإسلامي .

قُتل الحسين”ع” بسيف العنصرية والتعصب والقبلية تحت غطاء سياسي.
يقول ابو العلاء المعري
أرى الأيّــــامَ تفعــلُ كــلَّ نُكــرٍ
فَما أنا في العَجائــبِ مستزيدُ
أليسَ قُرَيشُكم قتلَــتْ حُسيناً
وصــار علــى خلافتِكــم يزيدُ

#المصادر
1- صحيح البخاري/مناقب الحسن والحسين/3538
2- مسند احمد 60/2
3- المستدرك للحاكم/كتاب تعبير الرؤيا 398/4
4- سيرة إبن هشام 86/1
5- اخبار مكة للازرقي 105/1
6- النزاع والتخاصم للمقريزي
7- ديوان أبو طالب”ع”
8- ديوان دعبل الخزاعي
9- قاموس الرجال للتستري 33/6
10- نهج البلاغة/خطبة 33 و172 و217
11- تاريخ اليعقوبي 158/2
12- شرح النهج للمعتزلي 298/20 و 328 و 283/3
13- تفسير ابن كثير/ سورة الإسراء/48
14- تفسير الرازي 215/12
15- أسد الغابة لأبن الاثير 246/7
16- المناقب لأبن شهر آشوب 313/2
17- معجم الطبراني/حديث رقم 10928
18- مسند ابي يعلى 386/1
19- ينابيع المودة للقندوزي 297/1
20- تاريخ الطبري/أحداث سنة 23 هجرية
21- تاريخ ابن الأثير 326/2
22- مروج الذهب للمسعودي 360/2
23- الفتوح لابن الأعثم 351/4
24- تاريخ المقريزي 222/4
25- الإحتجاج للطبرسي 404/1 و 405
26- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي/148
27- قتل الإسلام لوضاح صائب/21
28- الغدير للأميني 389/1
29- عيون الأخبار للدينوري 181/1
30- غاية المرام للبحراني 92/6

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال