حسن المياح ||
القسم السادس
~ الطاغوت الظالم في العراق يتمثل في الحكومة كأداة تنفيذ , والبرلمان كأداة تشريع . فمتى ما إتفقا وتعاونا وحكما خيرآ فهو العدل . ومتى ما إختلفا في مصلحة ذات , وتنافرا وجودآ حاكمآ فارضآ راغمآ , فالمآل الى الطغيان , ويكون الحاكم هو الطاغوت الذي يفرض وجوده الظالم الناقم الذي يخدم منافع ذاته ~
نعني بأخلاقية الهزيمة هو شلل الإرادة , وموت الضمير , وغياب الوعي . فالإنسان الذي يجمد إرادته ويسلبها الحركة فإنه يشلها , والإنسان الذي يلغي ضميره ويركنه فإنه يميته فيتخلى عنه , والإنسان الذي يغيب وعيه ولا ينشطه ولا ينميه ولا يفعله , أو أنه لا يثقف نفسه ويهذب سلوكه , فإنه يتبلد ويصبح مجرد كومة لحم وعظام ساكنة , فهو جماد لا ينظر اليه على أنه رقم صعب في عالم الوجود ; وإنما هو أنقاض تراب راقد على الأرض بلا نفع ولا فائدة .
والحاكم ~ أي حاكم ~ يتعامل مع أفراد شعبه بقدر ما فيهم من كنوز تعتمل في دواخلهم . فإن كانوا من ذوي الإرادة الحية المتحركة العاملة الفاعلة المؤثرة , ومن ذوي الضمائر اليقظة النشيطة المحاسبة المتابعة , ومن ذوي الوعي المستنير المشرق المنفتح الذي يبصر ويفهم ويحلل ويقدر . أقول إذا كان الشعب يملك هذه المؤهلات , وعلى نموذج هذه الخصائص والمميزات والصفات , فإن الحاكم مهما كان جبروته ولونه , فهو يحسب لهذا الشعب ألف حساب وحساب , ولا يقدم أو يجرؤ على إصدار قرار إلا بعد اليقين من قبوله بتمحيص وتدقيق , ولا يقوم بأي عمل أو فعل لا يرتضيه الشعب . فيكون هذا الحاكم بهذه الحال خادمآ نافعآ لشعبه , ولا يخامر عقله أو هو يحاول أن يفكر أن يكون حاكمآ متفردآ طاغيآ , لأنه مسلوب الأرضية الخصبة ( التي تتمثل بالشعب النائم الخاضع ) , ولا إرادة له تطغى على إرادات الشعب الذي يعيش الإنتفاضة والثورة الدائمة في داخل نفسه على الدوام .
ولذلك صحت مقولة ( إرادة الشعوب أو الجماهير الحية أقوى من الطغاة مهما تفرعنوا , وظلموا , وإنتقموا ) .
ولتقريب الفكرة الى الأذهان وتوضيحها , نأتي بأمثلة حية نعيشها في حالنا الحاضرة , تبين وتشرح وتبسط ما ذكرناه في هذا المقال .
ومثالنا التالي يبين وجه الإختلاف على المصالح والمنافع الحاصل بين الحكومة والبرلمان , وكيفية التعامل التي تضمن سرية منافع المسؤولين وتبادل مصالحهم , على حساب الشعب العراقي , وإستنزاف ثرواتهم وتكبيلهم بديون كبيرة ثقيلة ترهق الإقتصاد العراقي حاليآ ومستقبلآ , وترهن العراق وتكبله بقوانين دولية ظالمة مجحفة سالبة التي تؤثر على مستقبل الأجيال .
ومثالنا هو : لما أصرت الحكومة على تأخير الرواتب , وإشترطت إطلاقها الفوري وصرفها العاجل بموافقة البرلمان على قانون الإقتراض المفروض من قبل الحكومة . فمتى ما وافق البرلمان على قانون الإقتراض , وزعت الرواتب حالآ وعاجلآ ; وإن تأخر البرلمان بتمرير قانون الإقتراض فسوف تتأخر الرواتب ~ وهذا ما حصل واقعآ أكيدآ ~ , وإذا رفض البرلمان القبول بتمرير قانون الإقتراض , فلا رواتب تدفع أو توزع .
وحاول البرلمان المماطلة والتسويف والدفع , ولكنه لم يصمد , لأن المسألة وصلت الى حد قاطع بين الحكومة والبرلمان , فإما التمرير للقانون من قبل البرلمان , وكفى الله المؤمنين شر القتال ; وإما الرفض البات من البرلمان لتمرير القانون ~ الذي لا يمكن أن يكون ~ , وهذا يعني كشف الأوراق الفاضحة التي تدين المسؤولين المتورطين بالفساد في البرلمان , وينكشف المستور ويتأكد المعلن .
والنتيجة الحتمية التي تؤمن بها الحكومة وتتيقنها , هي أن البرلمان سيوافق على تمرير قانون الإقتراض مرغمآ أنفه , ولا سبيل له غيره أن يسلكه , ليحفظ سر نهبه وما تبقى من ماء وجهه إن كانت في وجهه من بقية ماء … ???
ومثالنا الآخر الذي يصور قوة وإصرار وإنتفاض إرادة الشعب العراقي على رفض قرار وزير المالية الذي يخول بيع ممتلكات الدولة العراقية بدون نشر , أو إعلان , أو مزايدة . وكيف إندحر الطغيان , وإنهزمت الديكتاتورية المتفردة الحاكمة , وتراجع الحاكم الطاغية الظالم من فرض , أو تطبيق , أو تمرير قانونه الناهب الظالم السارق الناقم .
وهذا يعني أن الشعب العراقي في هذا الموقف قد تحرر وملك حريته بشفائه من مرض أخلاقية الهزيمة , فإنتفض وثار مطالبآ بحفظ وصيانة ثرواته .
حيث أن كل وسائل التواصل الإجتماعي , وأغلب الفضائيات , وكل النشاطات , إنتفضت وثارت وأصرت على رفض قرار البيع لممتلكات الدولة بدون حساب ولا مراقبة , حيث لا ضرورة للبيع الذي يعتبره الحاكم الطاغية الظالم حلآ لمشكلة العجز المالي خلال اليومين الماضيين , مما أدى بالحاكم الطاغية أن يتراجع , ويلغي ما أقره من قانون حكومي منفرد , مجحف , ظالم , ناهب , بسبب ما واجهه من زخم جماهيري شعبي حي مريد فاعل مؤثر رافض لتنفيذ القرار .
وهذا مما يؤيد , ويؤكد , ويعزز أخلاقية الحرية الواعية المريدة , العازمة النشيطة , العاملة الفاعلة , المؤثرة المغيرة , التي يتميز بها الشعب ذو الإرادة الحية المتحركة العاملة , والضمير المنتفض الثائر المحاسب بإستمرار المتابع , صاحب العقل الواعي المستنير المشرق تفكيرآ وفهمآ جادآ , الذي يعي وجوده الإنساني الكريم , ويحافظ على عزة كرامته , ويسعد عيشه , ويؤمن مستقبله ومستقبل أجياله .
فأخلاقية الهزيمة لا تنتج ثمرآ طيبآ ناضجآ يانعآ .
وإنما هي أخلاقية الحرية والتحرر , وكسر قيود الجمود وفل أغلال البلادة , وتنشيط واجب المسؤولية وإستمرار المتابعة والملاحقة , وتحطيم عرى التخلف والجهل واللاأبالية واللاإهتمام .
هكذا تبنى الأوطان , وتشيد عروش السيادة الحاكمة الخيرة العادلة , ويكون ويتحقق الإستقلال , وتسمو وتعلو كرامة الإنسان .