د. حسين القاصد ||
لعل كلمة مثل ( بشت ) بكسر الباء ، لايتوقع أن نجد لها أثراً في الموروث العربي ، لكنها تغلغلت اثر تلاقح اللغات في أواخر العصر العباسي فقد جاء في كتاب شذرات من العامي والمولد : ( قال أسامة بن منقذ ” ت : 584هـ” في ” الاعتبار” : “فضربه الوالد بهذا السيف وهو في غمده متقلدٌ به ، فقطع الجهاز ، والنعل الفضة ، وبِشتاً كان على الركابي …” . وعلق المحقق الاستاذ فيليب حتّي في الحاشية بقوله : أو بُشتاً عباءة. ولعلها ” بُشت” الفارسية . ) ويعلق العلامة د. محمد حسين الأعرجي رحمه الله فيقول ( وأراني أميل الى أن البشت عباءة ، ويبدو أنها بكسر الباء كما هي في متن الاعتبار ، وليس بالضم كما هي في حاشية المحقق … ومن أمثال العراقيين العاميّة : يا بو بشت بيش بلشت ” يقولونه لمن يغالب خصما لا يقدر عليه ” ومعناه يا أبا بشت كناية عن الرجل المترف بماذا ورطت نفسك ؟) . أما (بستوگة) فقد وردت في ديوان ابن الرومي يهجو إسماعيل بن بلبل :
(سائل أبا الصقر اذا جئته عن امه ذات البساتيق
فقال المحقق في الحاشية : ذكر القاموس المحيط أن البستق بمعنى : الخادم ولعله يتهم أمه بالخدمة … أقول : البستوقة هي الزير الصغير ومازالت تستعمل في العراق بهذا المعنى … وصار العراقيون يستعملون البساتيق لحفظ المخللات ، وهم يسمون هذا المخلل : الطرشي ؛ وأرى أنها مازالت تستعمل في بعض البلدان العربية وقد شاهدتها في سورية وفي تونس ؛ ثم ماذا نسمي ماتحمله كهرمانه في تمثالها الذي يتوسط بغداد ؟ .
لقد وقع المحقق في فخ المعنى التداولي ومقتضى الحال ، ذلك لأن التداولية منهج معرفي يطال المستويات اللغوية كلها ، فالنحو يتأثر بالتداولية ، والدلالة تتأثر بالتداولية ، والمعجم يتأثر بالتداولية ، وسائر أصناف الخطاب تتأثر بها ، فتكون من ثمَّ أداة معرفية تضيء جوانب كثيرة من اللغة والخطاب
، ولأن ام المهجو تحمل البساتيق فقام بترحيل صفة الحامل ليجعلها اسماً للمحمول ( البستوقة) ، لأن وجهة الهجاء هي أم المهجو لا ماتحمله .
كما ان النسق المضمر في النقد الثقافي قد يفاقم الهجاء ويجعل أم المهجو حمالة الخمر للراغبين فيه ، وهو امر يشي باختلاطها وترددها عليهم ؛ لكن الهجاء او صفة الخادم ليست للبستوقة انما لحاملتها .
ومثل ذلك كلمة ( بوس) فلقد استقرت في الشعر العربي حتى شاعت فصيحةً وعاميّةً ، لأنها بحسب محمد حسين الأعرجي ( باس : بمعنى قبل قالها ابو نواس …
ياماسح القبلة من خده من بعدما قد كان أعطاها
خشيت أن يعرف إعجامها مولاك في الخد قيقراها
ولو علمنا أنه هكذا كنا اذا بسنا مسحناها
… أقول بقيت اللفظة مستعملة في اللهجة العراقية ، وفي كثير من اللهجات العربية الى اليوم) .
ــــــــ