جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف التيارات العلمانية في العراق -مائة عام من الصدام -2-

التيارات العلمانية في العراق -مائة عام من الصدام -2-

حجم الخط

 


ابراهيم العبادي||


يتسائل الكثيرون عن ما اذا كان للعلمانية العراقية حضور اجتماعي كبير ؟ ،فبعد مائة عام او يزيد ، من عمر التحديث والحداثة في العراق ،ثمة توجس وشكوك واتهامات كثيرة للتيارات العلمانية ، أبرزها الاخفاق في الترويج لمشروعها في السياق الثقافي -الاجتماعي العراقي ، كأستجابة طبيعية لمقتضيات التطور والعصرنة والتجديد والتحديث ،فقد ظل يُنظر الى الفكر العلماني بأنه (بضاعة )مستوردة سببها الانبهار بالحضارة الغربية الصاعدة ،(الغازية) لكل الفضاءات الحضارية ، وبضمنها المجال الحضاري الاسلامي ،ولان الغرب اقترن في الذاكرة الاسلامية بالغزو العسكري ، وبفصل الدين عن الدولة ، وبالمفاسد الاخلاقية ،فان العلمانية توصم في الشارع الاسلامي بانها فكرة (كافرة) تستهدف التمهيد لسيطرة المشروع الحضاري الغربي ، عبر آليات (المسخ )الثقافي والهيمنة التكنولوجية والابهار والاحلال المنهجي ،اي استبدال مناهج التفكير والتعليم واكتساب المعارف والعلوم والفنون وحتى الاداب ،هذه هي رؤية الاحيائية الاسلامية وليس الاصلاحية الاسلامية التي سبقتها .لقد ارتبط قيام الدولة الوطنية الحديثة ،فكرا ومؤسسات بالاستعمار الغربي ، مما زاد من هواجس وشكوك المجتمعات المحلية التي يغلب عليها الطابع الاسلامي التقليدي ، زادتها اساليب الاحزاب القومية والشيوعية التباسا ، بسلوكها الصادم العنيف ، في فرض توجهاتها والترويج لنظرياتها وافكارها .
ولان التحدي الغربي الشرس ، قابله استجابة (اسلامية ) عبرت عن نفسها بتأسيس احزاب وحركات وجماعات اسلامية كان يجمعها شعار (رفض الحلول المستوردة من الغرب )والدعوة الى (العودة الى الذات) وتحرير الاسلام مما علق به من تصورات وافهام اعاقت نشوء حداثة اسلامية داخلية ،لذلك تعالى الصدام بين (ممثلي) العلمانية بكل مؤسساتها ، و (المدافعين ) عن الاسلام ومشروعه الحضاري ، من مرجعيات وعلماء وحواضر علمية ومثقفين ومؤسسات واحزاب ،وغدت بلداننا ساحة لصدام عنيف دام ، لم ينتج منه الا القليل لمصلحة التحديث وبناء الاوطان وتأسيس الدول ، وفق نموذج عصري ناجح يستجيب لتطلعات الشعوب ولايتصادم مع (مخزونها الثقافي والحضاري)وهويتها الدينية .
انتهى الصراع الايديولوجي الشرس الى لحظة عدمية او سلبية في تاريخنا ،فقد تمترس طرفا الصراع كل في خندقه وضاعت فرصة حوار بناء لاطلاق مشروع نهضة يستفيد من معارف الغرب ويتعلم من منجزاته ويقرأه بعقل ناقد مستفيد ،ولايقف منه موقفا ايديولوجيا تعبويا ، ارتد علينا بتراجع خطير على مختلف الصعد ،مثلما كان على الذين انتهلوا من الغرب منهجيا وفلسفيا ومعرفيا ،ان لايندفعوا باتجاه استنساخ التجربة التاريخية الغربية بحمولتها السلبية من الفكر الكنسي ورجال الدين والمعارف الدينية ونموذج السلطة ، فيصموا الاسلام والفكر الاسلامي -التقليدي منه والحديث – بكل انواع الهجاء والازدراء .
النتيجة التي وصلنا اليها بعد هذا الصدام المرير المشبع بالاحتلالات والعنف والانحياز الايديولوجي ،هو غلبة التدين الشعبي مع نزعة شعبوية اسلامية يغلب عليها الحماس وينقصها الفكر والمعرفة ،وتسيطر عليها الاتجاهات الصدامية (الثورية) ويسكنها العنف ، والخوف من الاخر ،وبذلك لم يعد الحضور العلماني (السياسي والمؤسساتي)ذي قيمة اجتماعية وسياسية ، وان كان الحضور الثقافي والفكري كبيرا وواسعا ، لازال له رصيد كبير ورموز تمثله .
لن يكون للتيارات العلمانية العراقية حضور سياسي كبير ، لان الشارع مستلب لغيرها ،ولان مراهناتها على احداث تغيير منهجي لم تتحقق في ظل تعبئة ايديولوجية كبيرة ، ولان مرجعياتها الفلسفية والفكرية موصومة اجتماعيا بالمادية والكفر ، ان مؤسسات العلمانيين السياسية غير فعالة وادواتهاللفعل الاجتماعي والتوجيه الثقافي لم تعد قادرة على اختراق جدران الثقافة الشعبية الراهنة . بجملة واحدة ان العلمانيين العراقيين لاينطلقون من مشروع فاعل حاليا ،بل يتعكزون على رد الفعل الشعبي الناتج من فشل جماعات الاسلام السياسي وتجربتها في السلطة ،فالعلمانية العراقية تقتات على صورة ماضي قريب (زاهر)ايام الدولة الوطنية في عهدها الملكي حيث ظهرت نماذج ليبرالية عراقية متسامحة (وفية) للنسخة الليبرالية الغربية ، لم تكن معادية للدين وليست متعالية على مجتمعها (المتخلف)، سيكسب علمانيو العراق كلما اوغل خصمهم الايديولوجي في الاخفاق ، وعجز عن ادارة الدولة والمجتمع ، لكنه كسبْ طويل الاجل ، لن يترجم نفسه في الانتخابات القادمة ، ولن تكون له حظوظ معقولة في السلطة ،فلايزال التيار الاسلامي قادرا على تعبئة الشارع والامساك بالسلطة لان الجمهور لايثق بالبديل العلماني ،وحتى يحين موعد الثقة ،امامنا سنين طوال من التخبط والفقر والمعارك الايديولوجية والسياسية وضياع الفرص .

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال