مازن البعيجي ||
قال لي صديق كنت ضيفاً عليه في احد محافظات الجنوب ، بعد سفري من مدينتي التي تبعد ٣٠٠ كيلو متر تقريباً ، وصادف أن كانت في المحافظة وفاة صديق لهم وكان اليوم الثاني وكالعادة كل يوم من العزاء يصعد خطيب المنبر على مدى ثلاثة أيام .
اتينا للفاتحة والناس اعدادها كثيرة وهذا طبيعي في القرى ، والعادات هناك من شأنها حضور فواتح العزاء بكثرة وحرص.
حال وصولنا الفاتحة بدأ الخطيب بالنعي ثم الكلام والمحاضرة التي كانت بالآية الكريمة ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) الاحزاب ٢٣ .
لكن كان الخطيب يدور حول مسألة لم يكن موفق فيها وهو يصنف المؤمنين على حسب البلد وليس على الإسلام والعقيدة! فبدأ يشير على أن اخواني “الوطن” حبه من الإيمان!!! وحرص كثيراً على الوطن الجغرافي وأنه يجب الدفاع عنه من خلال أبناء الوطن نفسه ومنع الاغراب والوافدين بحجة الدفاع عن المقدسات! هنا فهمت ميول مثل هذا الخطيب وما يريد ايصاله للحضور! الذي كان يستمع دون الالتفاف الى ما يحاول الخطيب الجاهل دسه بين الكلمات!!!
حتى وصل الى فقرة يقول فيها أخي أنا لا شأن لي بغير بلدي ووطني ، علي بعراقي فقط وفقط! مالي والذهاب الى سوريا والإرهاب منها يأتي ومالي والدفاع عن اليمن وهم زيدية وهكذا يسمم أفكار الناس! والذين يدافعون عن إيران! إيران شأنها غير شأننا وهي غير محتاجة لنا ولا نحن بصراحة أرض تصفيات حسابات لها وهكذا بث جهله وسمومه على العقول التي وقعت بسبب عرف الفواتح تحت رحمته!!!
وهنا وددت أن ابين كذب وجهل ما قاله!
فطلبت من صديقي أن يطلب منهم أن اقرأ في اليوم الثالث من مجلس العزاء وبينت له السبب! قال سوف احاول وفعلاً استطاع اقناعهم علماً أن البعض اعترض كيف تأتون بخطيب غير معمم ولا نعرفه لكن ثبت موعد خطيبنا الذي سائهُ ما قاله الخطيب حين قلب المفاهيم بشكل فيه ألف اشكال شرعي!
ومعرف اليوم الثالث يجتمع خلق كثير من الناس لأنه آخر يوم للعزاء . بدأت المحاضرة بعد البسملة والصلاة على محمد وآل محمد عليهم السلام تناولت الآية المباركة ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) الاحزاب ٢٣ .
البعض رأيت في عيونه الدهشة إذ هذه الآية نفس خطيب البارحة تناولها ، كيف يتناولها خطيب ثاني!؟
لكن كان الهدف هو ابطال دعوى الخطيب الجاهل ليلة البارحة ، فقلت ، قوله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )، قال الراغب: النحب النذر المحكوم بوجوبه، يقال: قضى فلان نحبه أي وفى بنذره قال تعالى: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر)، ويعبر بذلك عمن مات كقولهم: قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته. انتهى.
وقوله: (صدقوا ما عاهدوا الله عليه) أي حققوا صدقهم فيما عاهدوه أن لا يفروا إذا لاقوا العدو، ويشهد على أن المراد بالعهد ذلك أن في الآية محاذاة لقوله السابق في المنافقين والضعفاء الايمان: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار) كما أن في الآية السابقة محاذاة لما ذكر سابقا من ارتياب القوم وعدم تسليمهم لأمر الله.
وقوله: (فمنهم من قضى نحبه) الخ، أي منهم من قضى أجله بموت أو قتل في سبيل الله ومنهم من ينتظر ذلك وما بدلوا شيئا مما كانوا عليه من قول أو عهد تبديلا.
قوله تعالى: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء أو يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما) اللام للغاية وما تتضمنه الآية غاية لجميع من تقدم ذكرهم من المنافقين والمؤمنين.
فقوله: (ليجزى الله الصادقين بصدقهم) المراد بالصادقين المؤمنين وقد ذكر صدقهم قبل، والباء في (بصدقهم) للسببية أي ليجزى المؤمنين الذين صدقوا عهدهم بسبب صدقهم .
وهنا الآية لم تحدد المؤمنين من أي بلد كانوا او تفرزهم بسبب اللغة والجغرافيا وهكذا ، الناس أراها بدأت تنشد للموضوع وهي تحاول الأستزادة مما أقول .
حتى قلت أن “الوطن” الذي ورد في بعض أدبيات وروايات أهل البيت عليهم السلام أخوتي هو الوطن العقائدي وليس الوطن الجغرافي! ولو كان هو الوطن الجغرافي ووجوب الدفاع عنه والبقاء فيه بالوجوب لما وردت هذه الآية ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر ١٠ .
( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء ٩٧ .
فمن يقول بالوطن الجغرافي هم المستكبرين والطغاة اصحاب نظرية سايكس بيكو! وهناك الكثير من انصاف المتعلمين ممن اشتبه عليهم الأمر فصار يرى إيران من خلال الجغرافيا لا من خلال عقيدتها وحمايتها للإسلام المحمدي الأصيل الحسيني المقاوم الذي تتبناه منذ عام ١٩٧٩ عندما فجر الخُميني العظيم الثورة والتي كان يقول إحموا الثورة بتصديرها لكل المسلمين والمستضعفين في العالم .
ومن هنا أخواني ترى تركيز المعصومين عليهم السلام على إيران دون غيرها ( يقول مولانا الإمام الكاظم عليه السلام قم عش آل محمد ) لأنها ستكون في علم المعصومين عليهم السلام هي البلد الذي يحقق المصداق القرآني الوحيد للإسلام الحقيقي!
ولعل ما جرى من تقديم مساعدة فورية للحشد وعاجلة يوم كانت داعش تحتاج المدن والبلدات العراقية ووقف كل مسلمي الخليج مع أمريكا وأسرائيل والصهيووهابية ضدنا فقط إيران من ساعدتنا دون حساب العربية والفارسية والعراقية والايرانية وهكذا .
هنا بدأت الصلوات تضج على محمد وآل محمد عليهم السلام ، فقام رجل من وسط القوم اربعيني قال والله ثم والله ثم والله أنا اقاتل مع لواء فيه من الإيرانيين جنود وقادة الكثير وقد استشهد منهم الكثير يتقدمون امامنا ويتقون الرصاص بصدورهم العارية والهاتف لبيك يا حسين ، اقول لذلك شهادة لقبري!
وقام اخر قال يكفينا ان مثل الحاج قاسم سليماني كان يقود المعارك جنبا الى جنب مع ابو مهدي المهندس وغيره وهم نعمة من الخالق بها علينا ، وانا اقول إيران والعراق لا يمكن الفراق ، ومن يفكر بهذه اللغة هذا من سقط في فخ السفارة ومخططاتها .
حمدت الله سبحانه وتعالى والناس تشكرني على ما وضحته وبينته ومحوت ما قاله خطيب الصدفة ممن لا يعرف اهداف الحوزة وشأنها في الحفاظ على المؤمنين موحدين في صف واحد مرصوص ..
البصيرة ان لا تصبح سهماً بيد قاتل الحسين ومنه يسدده على دولة الفقيه ..مقال قادم نلتقي..دمتم)..