لاشك من ان الانعكاس الثقافي في الاساس يحتاج الى تقدم وتنمية المجتمع اولاً ، في عمومه لا في نخبويته ومجموعاته فقط ليسخر كل طرف من اجل المصالح الخاصة المحدودة او غيرها.
الحرية التي تشهدها البعض من الدول هي ضرورية لكل انطلاق، وهي منارة يهتدى به، و تمثل خطوات جادة لتطوير أي عمل سياسي واقتصادي واجتماعي او تنموي، فبدون الحرية الفردية والجمعية على كافة المستويات، لا يمكن حصول قطاف لثمار ابتكارية في اي ميدان من الميادين الا بتوافر الجهود الرامية لايجاد حوار حقيقي من منظور ثقافي لاستشراف الحاضر والمستقبل للوقوف على معوقات العمل موضوعياً، والسعي لازالة هذه الفجوات التي تحول دون انطلاقة هذه الثقافة، في عصر العولمة لما يتمتع به من انفتاح على كل بوابات الحدود المحلية للاشخاص والبضائع بل وسيولة المعرفة عبر وسائط الاتصال والتي يمكن ان تسهم في تفعيل وتطوير الثقافات المختلفة مع الثقافة العالمية الاخرى بشتى الوجود والابعاد.
ان الثقافة عندما ترتبط بالتنمية تصبح لها شجونها الدولية وربّما يصبح من السهل الإساءة إليها من خلال تداخل مصالح الأمم والشعوب. غير التفائل حول مستقبل الثقافة ينبع من كون مواردها في أكثريتها وطنية المصدر، لذلك, فمن خلال تعزيز دور الثقافة الأساسي في التنمية الشاملة تضفي نوعاً من الاستقلالية التي تطمح إليها كلّ الشعوب.
أن الثقافة وحدها هي التي تميّز الشعوب بعضها عن بعض في زمن الاعتماد الاقتصادي المتبادل وفي عصر التدخلات ،وهذا بالطبع دليل عافية لأنّ الثقافة بقيت لزمن طويل في الدائرة الأكثر غموضاً في تعريفها وتحديد دورها في كل نواحي الحياة ومجالاتها، كون الثقافة المصدر لكلّ تقدّم والينبوع لكل ازدهار، وليست بالتالي نتاج أو إفرازات هامشيّة للتنمية ، ولابد من الاشارة إلى أنّ الإحاطة بكل جوانب التنمية له امر معقّد بحيث ان مفهومها قد تطوّر عبر الزمن ليخدم سياسات استثمارية عميقة ، يُضاف إلى ذلك ان الحديث عن الثقافة يرتبط سريعاً بالتراث والماضي وما يخلف ذلك من صعوبة في تحديد الزمن التاريخي.
لقد أصبحت الثقافة عنصراً أصيلاً في تعزيز التنمية بأبعادها المختلفة،
ولتحقيق هذه الأهداف تبنت العديد من الدول السياسات والتّوجهات التي من شأنها أنْ ترسخ الحراك الثّقافي والفكري في المجتمع من خلال منظومة تعتمد على قواعد واضحة ومحددة، وتنشيط الحياة الثّقافيّة والفكرية والفنية عبر تنظيم جملة مِن الفعاليات المختلفة بما فيها معارض الكتاب من الامور المهمة والناهضة ، واطلقت جوائز ثّقافيّة وفكرية
يُراعى في منحها للمرشح من جهودٍ فكريّةٍ أو عمليّةٍ تخدم المجتمع مما يُعدُّ مؤهلاً لنيلها وذلك لتنشيط حراكها الثقافي مدفوعا بزخم التحولات العصرية والانفتاح والتفاعل مع مختلف ثقافات العالم، ليتمكن بعد عملية تراكمية إلى المزيد من الوقت لتنضج من ترسيخ التّنمية الثّقافيّة في اي مجتمع ليصبح أكثر وعيا وتفهما إلى حد ما لقيم المعرفة والثقافة والفكر والفن لتتماشى مع التّوجهات الرّسمية والمجتمعية الرامية إلى إعلاء شأن الثّقافة والفنون والإبداع والابتكار بما يتوفر لها من مقومات ثقافية وتاريخية وموروث تراثي، وبالفعل فقد ارتبطت الثقافة بالوجود الانساني ارتباطا متلازما مع تطور الحياة وما قدمه الانسان منذ تواجده عبر التاريخ من إنتاج مادي، وثقافي، وإبداع فكري في شتى المجالات، في المنظومة التي تتضمن اللغات، والمعتقدات، والمعارف و الفنون والتعليمات، والقوانين والدساتير،والمعايير الخلقية، والقيم، والاعراف، والعادات والتقاليد الاجتماعية والمهارات المختلفة التي يمتلكها أفراد المجتمع.
عبد الخالق الفلاح … باحث واعلامي