جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف صناعةُ الجهلِ المُقدّسِ وأوهامُ النُّخبةِ..بينَ تطلّعاتِ الجماهيرِ والمُثقّفِ الأجيرِ!

صناعةُ الجهلِ المُقدّسِ وأوهامُ النُّخبةِ..بينَ تطلّعاتِ الجماهيرِ والمُثقّفِ الأجيرِ!

حجم الخط

 



أ.د. عليَ الدّلفيّ ||

لا نعتقدُ أنَّ هناكَ من كذّبَ على عامّةِ النّاسِ؛ مثل: الذين رفعوا شعاراتٍ مزيّفةً باسم (الوطنيّةِ)، و(القوميّةِ)، و(الإصلاحِ)، و(البناءِ والإعمار)، و(السّلام)؛ ولم يشهدِ التّاريخُ لصوصيةً مشرعنةً كتلك التي يمتهنها الذين ولّوا هذه المُصطلحاتِ؛ حرفةً للعيشِ ودكانًا للارتزاقِ ولافتةً لكسبِ أصواتِ المؤيدينَ.
ولا أشكّ البتّة أنَّ معظمَ العُقلاءِ يشعرونَ أنّنا وصلنا إلى حالةٍ من تزييفِ الوعي من خلالِ الثّقافةِ (المؤدلجةِ) وتدجينِ المفاهيمِ الثقافيّةِ لصناعةِ وعي تسطيحيّ تنويميّ لا ينتهي بمجتمعاتنا سوى إلى مزيدٍ من الضّياعِ في غياهبِ الوهمِ استمرارًا لرحلةِ قرنينِ من الوهمِ والتّيه.
ولا شكّ عندنا أنَّ منْ يعملونَ على صناعةِ الوعي مُنْذُ ظهورِ الماركسيّةِ حتّى اليوم؛ هم (ثالوث مشؤوم) أركانه: (السّياسيّ؛ والمثقّف الرّخيص؛ والمغرّر بهِ). ومشكلة مجتمعاتنا أنَّها كانتْ ولا تزال لا تتطلعُ للمصيرِ إلّا منْ خلالِ السّياسيّ ولا تتعاطى الوعي إلّا منْ خلال مثقّفي السّلطةِ، ولا تنهض إلّا منْ خلال الجماهيرِ المغرّرِ بهِم.
وإذا أردنا أنْ نفهمَ طريقةَ تفكيرِ مجتمعاتنا لا بُدَّ أنْ ندرسَ مصادرَ صناعةِ وعيها بدقّةٍ كي نشخّصَ العلّةَ قبل أنْ نقفزَ إلى وصفِ العلاجاتِ كما هو شأننا دائمًا.. ما الذي يجعل مجتمعاتنا أكثر المجتمعات تخلفًا وتطرفًا وبعدًا عن روحِ الدِّينِ وتعاليمهِ التي أجمعتْ على تكريمِ الإنسانِ واعتباره الغاية من وراء الوجود والقيمة العليا في هذا الكون؟! لماذا نعجزُ عن صنعِ إبرةِ خياطةٍ في حين نبدع في إنتاجِ ملايينَ الأطنانِ من الكلامِ في ترويجٍ ناجحٍ لبضاعةِ (اللُّغو المبرمج؟!!) لماذا نملأ الدُّنيا صراخًا في الدّعوةِ إلى القِيَمِ الماركسيّةِ (الغريبةِ) عن بيئةِ مجتمعنا والدّفاعِ عنها؟! في الوقتِ الذي نعاني فيه إفلاسًا مرعبًا في منظومةِ القِيَمِ ونسجّلُ أرقامًا فلكيّةً في حجمِ التّقهقرِ في كلِّ مجالاتِ الحياةِ، وأوّلها: القِيَم الأخلاقيّة؟!
أسئلةٌ كثيرةٌ وكبيرةٌ لطالما حيّرتِ الكثيرين ونحن من بينهم.. وفي (عقيدتنا) أنَّ السّببَ الرئيسَ ببساطةٍ هو طبيعةُ الدّورِ الخطيرِ الذي يمارسه (الثّالوثُ) المذكورُ في لعبتهِ المتقنةِ في صناعةِ الجهلِ المُقدّسِ.. وحين يصبح الجهلُ مقدّسًا يمسي التّغيير الحقيقيّ مستحيلًا، ولا يسعنا سوى الاعتراف أنَّ ذلك (الثّالوث) هو الأكثرُ نجاحًا في مقياسِ الكمّ الجماهيريّ المعبّأ والمشحون والمستعد للاندفاعِ كالطوفانِ لتدميرِ كلِّ من يرفع صوتًا أو يدلي بكلمةٍ في محاولةٍ لفضحِ الدّورِ الخطيرِ الذي يمارسهُ (ثالوثُ) التّخوين والتّكفير.. ولم يكن ذلك النّجاح ممكنًا لولا جبن المثقّف وتقاعسه، بل ورخصه في كثيرٍ من الأحيانِ، وبدلًا من أنْ يكونَ المثقّفُ صانعَ وعي نوعيّ أصبح أداةً سلطويّةً لتزييفِ الوعي برفع شعار: (ما يطلبه المستمعون) بغية تحقيقِ المكاسبِ والمناصبِ إلىٰ الحدّ الذي يمكننا فيه أنْ نقولَ ودون تردّد: إنَّ (المثقّفَ) في واقعنا وجهٌ آخرُ للقهرِ والاستبدادِ والأرستقراطيّةِ ولكنْ بمعناه غير المرئيّ.
ومُنْذُ أنْ تمّتْ مُحاربةُ الدّينِ ببُعدهِ الإنسانيّ على يد (الثّالوث)، حتّى ضعف دوره اجتماعيًّا؛ وغُيّبتْ قيمته التربويّة وتأثيره الروحيّ في خلقِ النّموذجِ الإنسانيّ السّويّ الذي لا ينتمي إلا للإنسانِ كقيمةٍ عليا، والمقياسُ الأوّلُ والأخيرُ فيه هو تقديسُ إنسانيّةِ الإنسانِ وحمايتها. لقد دافعَ الإمامُ عليّ (عليه السّلام) خلال حكمهِ عن حقوقِ اليهوديّ والمسيحيّ وجميعِ أتباعِ الدّيانات الأخرى، كما دافعَ عن حقوقِ المُسلمِ بدرجةٍ سواء.
أخيرًا أقولُ ما قاله فولتير:” من الصعوبةِ أنْ تحرّرَ السُّذّجَ من الأغلالِ التي يبجّلونها”.
ــــــ

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال