بهاء الخزعلي||
الصين في عام 1978 بدأت ببرنامج إصلاح أقتصادي شامل، من أهم الاجرائات التي أتخذتها حينها كانت تشجيع القطاع الخاص على دخول السوق والمشاركة فيه، بعدما كان الأقتصاد كله تابع للحكومة الصينية، كذلك تشجيعها الشركات الأستثمارية للتوجه الى الداخل الصيني للأستثمار في الصين، وكانت تقدم أعفائات ضريبية وقروض بفوائد قليلة نسبيا، كذلك رخص العمالة في الصين بسبب كثرة الأيدي العاملة مما يؤدي إلى تقليل تكلفة الأنتاج بشكل واضح.
ومنذ ذلك الوقت والى عام 2019 كان النمو الأقتصادي للصين ما يقارب 10% في السنة، ولذلك بدأ الدخل الأقتصادي للفرد في الصين بالتطور بشكل سريع، ففي 1995 كان متوسط الدخل السنوي للفرد 5500 أيوان أي ما يقارب 833 دولار أميركي، أما في عام 2019 أصبح متوسط الدخل السنوي للفرد 93000 أيوان أي ما يقارب 14000 دولار أميركي، ونجحت الصين في تلك الفترة بإخراج ما يقارب 850 مليون شخص من تحت خط الفقر، لتتحول من دولة فقيرة يعتمد أقتصادها على الزراعة الى ثاني دولة أقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة.
• المخطط الأول:
السوق المشتركة لأكثر من 70 دولة في العالم عبر مشروع (BELT AND ROAD INITIATIVE) المعروف بأسم مبادرة الحزام والطريق، مشروع تسعى به الصين لتنفيذ أتفاقات تجارية وتبادل معلومات وخبرات مع تلك الدول، وذلك المشروع يربط أسيا بأفريقيا وأوربا، وكما يضم ذلك المشروع دول صغيرة فهو يضم دول كبيرة كذلك مثل روسيا وإيطاليا وغيرها من الدول.
وذلك المشروع أعلنت عنه الصين في عام 2013 وهو عبارة عن ممرين، ممر بحري يمر عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر المتوسط الى بحر الشمال، لذلك نجد أن الصين تهتم بشكل كبير بتمويل مشاريع كثيرة، غرضها الأساسي هو تطوير موانئ بحرية في جنوب آسيا وشرق أفريقيا لتساعد في نجاح ذلك المشروع، أما الممر الثاني هو ممر بري يمر بدول كثيرة من أسيا وأوربا، ومن هنا أيضا يأتي أهتمام الصين بتطوير الطرق والسكك الحديدية والبنى التحتية في هذه الدول، ومن أوائل الدول التي عملت شراكة مع الصين في أطار ذلك المشروع هي روسيا، والأن توجد مشاريع كثيرة مشتركة بين الصين وروسيا مثل مد أنابيب الغاز الطبيعي وغيرها، ومشروع طريق أخر يربط الصين بأوربا عن طريق من ناحية القطب الشمالي.
في أوربا هناك دول كثيرة لديها أتفاقات مشتركة مع الصين مثل أيطاليا وكرواتيا واليونان و13 دولة أخرى، وكذلك هناك دول في آسيا غيرة من شكل سياساتها الخارجية لتصبح جزء من ذلك المشروع، مثلا الفلبين التي نقلت من ناحية أميركا الى الصين لكي تستفيد من الفوائد الكبيرة لذلك المشروع وبالذات في تطوير البنى التحتية.
كذلك نسبة القروض المليارية التي تمنحها الصين لعشرات الدول في جنوب آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، حيث تعتبر الصين هي أكبر مانح للقروض الى أفريقيا على طوال 20 عام مضى وبلغ حجم القروض أكثر من 150 مليار دولار، على سبيل المثال أنغولا أقترضت من الصين 25 مليار دولار، يليها أثيوبيا التي بلغت قروضها من الصين 13.5 مليار، ثم زامبيا 7.4 مليار أما بقية القروض تتوزع على بقية الدول الأفريقية بشكل متفاوت، وكذلك الوضع في جنوب آسيا حيث تبلغ قيمة قروض باكستان التي منحتها لها الصين ما يقارب 30 مليار دولار، وماليزيا وغيرها كذلك، أما بالنسبة لأمريكا الجنوبية منحت الصين قروض لفينزويلا وغيرها من الدول.
فالأكوادور على سبيل المثال وصل قيمة قرضها من الصين 6.5 مليار دولار، بالمقابل تحصل الصين من 80% الى 90% من البترول الإكوادوري لغاية 2024 ، وفي عام 2020 أقرضت الصين الإكوادور قرضا جديد تبلغ قيمته 1.4 مليار دولار، مقابل رفع نسبة البترول الذي تحصل عليه الصين من الإكوادور أكثر من القرض الأول، ولو قارنا الصين مع البنك الدولي، نجد أن البنك الدولي منح قروض للدول الفقيرة بقيمة 106 مليار دولار، في حين منحت الصين قروض للدول الفقيرة بقيمة 103 مليار دولار.
كما أن الصين تعمد على أخذ البدائل في حال تعسرت تلك الدول في السداد، وعادتا تكون تلك البدائل هي أستغلال الموانئ لمدة طويلة، كما هو الحال في سيرلانكا التي منحتها الصين قرض بقيمة 361 مليار دولار لأنشاء ميناء، وبسبب عدم مقدرة سيرلانكا تسديد ما عليها أخذت الصين حق أستغلال الميناء في عام 2017 ولمدة 99 عام، وهذه الطريقة تسمى بمصيدة الديون حيث تمنح الصين قروض لبلدان مع معرفتها أن تلك البلدان غير قادرة على السداد، ثم بعدها تبدأ بعملية المساومة للحصول على ما تريد.
كذلك طرح الصين عملتها الرقمية (الأيوان الرقمي) في أكتوبر 2020 للتداول في بعض المدن الكبيرة في الصين، هذه العملة طورها البنك المركزي في الصين والهدف منها أن تحل محل جميع التعاملات الورقية والمعدنية في خلال السنين القادمة، وهو مجرد برنامج من الممكن تنزيله على أي جهاز هاتف محمول وهذا البرنامج يعتبر الحافظة المالية للنقود، ويساعد ذلك البنوك المركزي على التحكم في النظام المالي بشكل أكبر.
ولا يعتبر ذلك تهديدا للدولار الأميركي لكن التهديد الحقيقي للدولار، هو أذا ما عمدت الصين التعامل التجاري الخارجي بتلك العملة، وخصوصا مع دول مشروع مبادرة الحزام والطريق، وبما أنه معظم التعاملات التجارية بين الدول تتم بأستخدام الدولار الأميركي، وذلك يزيد الطلب على الدولار ويعزز وضعه كعملة مركزية، لذلك لو أستطاعة الصين أن تستخدم عملتها الرقمية في تعاملاتها التجارية مع تلك الدول، ستكون هذه هي بداية النهاية للدولار الأميركي، ليس فقط بسبب أن الطلب على الدولار سيقل بل لأن نجاح الصين في ذلك قد يشجع دول أخرى أن تكرر التجربة في التعامل التجارية في ما بينها، و في حال خسر الدولار مكانته العالمية قد تخسر أميركا مكانتها الأقتصادية والعسكرية في العالم أيضا.