جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

 


د. حسين القاصد||


سأبدأ بالبيت الأقرب إلى قلبي، ذلك البيت الذي جسّد فيه المتنبي إنسانيته العظيمة بحس وجداني قل نظيره، إذ يقول :

خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا

لفارقت شيبي موجع القلب باكيا!!

وعلامتا التعجب أنا كتبتها لا المتنبي، فأما تعجبي فهو من هذا الوفاء لشيء صرح المتنبي بكرهه بل قام بذم خصميه به، حين كان في حضرة سيف الدولة، إذ قال :

ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي

أنا الثريا وذان الشيب والهرم

ومن سياق العطف نجد أن الشيب يمثل عيبا مذموما، والمتنبي رمى به خصميه الجالسين أمامه بدلالة اسم الإشارة ( ذان)؛ فكيف يكون ألوفاً تجمعه ألفة ومحبة مع هذا الشيب وهو العيب الذي رمى به خصميه، والجواب واضح من بداية البيت، بأن المتنبي مجبول على الألفة والوفاء؛ لذلك قلت هذا البيت هو الأقرب إلى قلبي؛ لأني من الممكن أن يطعن في أية صفة لي الا وفائي لأحبتي وأصدقائي، ولعل القارئ المتابع لي يشهد بذلك.

المتنبي ( الثريا) لست بصدده، إنما جئت بهذا البيت لأعزز عظمة نبل المتنبي حين يتآلف؛ بمعنى أن البيت الثاني الذي يشمله العنوان لا يخص المتنبي ( الثريا) ولا خصميه ( الشيب والهرم) بل هو بيت مناقض تماماً لألفة المتنبي ويضع القارئ في حيرة، اذ يقول :

وصرت أشك في من أصطفيه

لعلمي أنه بعض الأنام

يا إلهي! أين ذهبت الألفة التي كانت مع الشيب الذي لم يكن من اختياره ولم يصطفه!!؟ ومن هو المتنبي بين البيتين.

قلت إن البيت الأول هو الأقرب إلى قلبي، أعني بيت الألفة لا بيت الشك؛ أما البيت الثاني فهو الأقرب إلى وجع قلبي، لأني مثل كل الناس أصطفي، ولي ألفة طيبة مع الأحبة والأصدقاء، لذلك حين يصدمني من اصطفيه ويطعن ألفتنا اصرخ ببيت المتنبي بمنتهى الألم.

هكذا أنا واضح ولا أختبئ خلف اصبعي، لذلك آلمني نسق الاستغفال النقدي الذي مارسه أحد الذين اصطفيتهم، حين حاول أن ينسب له ماسبقته إليه ، مع أني – على شدة ألمي – تمسكت به والتمست له العذر، لكنه أصر أن يجد له مقعدا مقابل اسم الإشارة الذي استعمله المتنبي.

رحم الله أبا الطيب ولا ألفة لي مع الشيب والهرم.

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال