جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الهوية الوطنية والهويات الفرعية في المجتمع التعددي

الهوية الوطنية والهويات الفرعية في المجتمع التعددي

حجم الخط

 



عادل الجبوري ||



كان موضوع الهوية الوطنية العراقية –ومازال-يمثل احد الموضوعات المثيرة للجدل والسجال والنقاش الحاد، ومازال يثير جملة اشكاليات، سياسية بالدرجة الاساس، واجتماعية وثقافية وفكرية بدرجة اقل.

وقلنا سياسية بالدرجة الاساس، لان الظروف والمناخات السياسية وطبيعة النظام السياسي القائم تلعب الى جانب عوامل اخرى مكملة، دورا كبيرا وفاعلا اما في بلورة وتعزيز الهوية الوطنية، او اضعافها وتغييبها لصالح هويات فرعية –قومية او دينية او مذهبية او مناطقية-


محددات الهوية الوطنية

ونحتاح الى ان نتوقف قليلا عند اهم محددات الهوية الوطنية، حتى يمكننا تشخيص مسارات واضحة لمعرفة عوامل الخلل والاشكاليات الكامنة في صياغة مفهوم عميق لها –أي للهوية الوطنية-مستنبطا من الواقع، وملتقيا معه في الكثير من النقاط، ومستخلصا من تجارب واقعية وتراكمات اجتماعية وثقافية وسياسية.

ومحددات الهوية الوطنية الوطنية تتمثل بجملة مسائل من بينها:

-القواسم المشتركة، اذ انه لابد ان يكون هناك اطارا جامعا، وبوتقة واحدة تنصهر فيها مكونات ذات عناوين وتوجهات وانتماءات مختلفة قوميا ودينيا ومذهبيا وطائفيا وعرقيا، ومصالح عامة تتداخل مع المصالح الخاصة، او تكون لها الاولوية في سلم الاهتمامات والاولويات.

“فالهوية الوطنية الجامعة في دول العالم لا تعني ان هناك اصل واحد اثني او ديني او مذهبي او لغوي لكل دولة، وان تنوع تلك المفردات الاجتماعية لا يعني ان لكل اصل منها دولة مستقلة، فمفهوم الهوية الوطنية في الدولة الحديثة لا يتطابق مع مفهوم الامة”.

وهذا واضح جدا في الكثير من الدول والمجتمعات التي تمتاز بقدر كبير من التنوع الاثني والقومي والديني والمذهبي واللغوي، ومن بينها العراق، وتبرز اهمية الهوية الوطنية وترسيخها والمحافظة عليها في المجتمعات ذات النسيج الاجتماعي المتنوع، اكثر منها في المجتمعات ذات اللون الواحد، التي تختفي وتنعدم، او تقل كثيرا الاختلافات والتناقضات بين مكوناتها.

وحينما نتحدث عن القواسم المشتركة، فأنما نريد الاشارة الى حقيقة مهمة ومحورية في هذا الجانب، الا وهي ان هذا المفهوم يحتاج في الغالب الى فترات ومراحل زمنية مختلفة حتى يتبلور ويتكامل، وبتبلوره وتكامله، تتضح وتتبلور معالم وملامح الهوية الوطنية، بحيث لاتصطدم وتتقاطع مع الهويات الفرعية.


-العيش والتعايش السلمي، وهذا المبدأ مرتبط بصورة او بأخرى بمفهوم القواسم المشتركة، او ان احدهما مكمل للاخر، ويرى الكثير من علماء السياسة والاجتماع، وتؤكد التجارب العملية الواقعية في مراحل تأريخية مختلفة، ولدى مجتمعات متعددة، انه من دون القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة لايمكن ان تكون هناك نقاط التقاء بين مكونات اجتماعية معينة، التي تشكل بدورها ارضيات موائمة للعيش والتعايش السلمي، ونبذ خيارات العنف والقوة والتصادم غير المجدي.

وكل ذلك من شأنه ان يبلور مفاهيم وسلوكيات وقيم ثقافية واجتماعية تشكل بمجموعها الهوية الوطنية، التي من الطبيعي ومن المفروض ان تصهر في بوتقتها عدد من الهويات الخاصة-الفرعية، ليس بطريقة القسر والاكراه، ولكن من خلال الاختيار الطوعي المنطلق من تقدير طبيعة المصالح والمنافع المترتبة على ذلك.

ويبرز جليا وواضحا الفرق الشاسع والكبير بين مجتمعات ومكونات اختارت الاندماج والتوحد او التقارب، ووضع اطرا لهوية وطنية جامعة، ساعدتها كثيرا في بلوغ مستويات عالية من الاستقرار والازدهار والتطور في مختلف الجوانب والمجالات، وبين مجتمعات ومكونات ارغمت على خيارات الاندماج القسري، او وقعت تحت وطأة نظم استبدادية تتمثل اجنداتها في فرض لون واحد من التفكير والسلوك والعقيدة والمنهج، لتنتج مجتمعا يبدو في ظاهره موحدا ومتماسكا، بيد انه في واقع الامر يعاني من التشضي والتفكك وانعدام الثقة.

-الفضاء الديمقراطي، وارتبطا بهذا المفهوم يتفق عدد غير قليل من المعنيين بدراسة النظم السياسية والعلوم الاجتماعية، على ان هوية وطنية حقيقية لايمكن لها ان تتشكل وتتبلور وتتكامل في جوهرها ومضمونها، لتترجم على ارض الواقع، من دون توفر الفضاء والمناخ الديمقراطي، اذ ان الديكتاتورية والاستبداد والاقصاء والتهميش، وغياب الحريات العامة والخاصة، وهيمنه الثقافة البوليسية على المجتمع، وانعدام وسائل وقنوات المعرفة الحقيقية، من الصعب جدا بمكان-ان لم يكن من المستحيل-ان يخلق منظومة اجتماعية متماسكة ومنسجمة، ومعبرة بموضوعية عن حالة التنوع والتعدد الديني والقومي والاثني والطائفي والمذهبي.


اشكال الهويات الفرعية

اذا افترضنا او اقررنا بأن الهوية الوطنية تمثل اطارا جامعا، او بوتقة تنصهر فيها هويات عديدة على ضوء حقائق الواقع الاجتماعي العام، فأن ذلك يحتم علينا ان نشخص او نسمي الهويات التي تشكل بمجموعها في حال تجانست وانسجمت مع بعضها البعض الهوية الوطنية، او بعبارة اخرى انها يمكن ان تكون عاملا مساعدا لتعزيز وتقوية وترسيخ الهوية الوطنية او العكس.

الهوية القومية :

وتعد الهوية القومية ابرز معالم وملامح وسمات الكثير من الشعوب والمجتمعات، بل ان الكثير الكثير منها تشكلت وتكونت على اساس قومي، وبعضها تفككت بسبب تعدد القوميات فيها.

وغالبا ما يحصل نوع من الخلط من قبل بعض الكتاب والمفكرين بين الهوية الوطنية والهوية القومية، حتى تبدو كل واحدة منهما مرادفة للاخرى، بينما الصحيح هو ان الثانية هي جزء من الاولى.

فـ” الهوية القومية لأي شعب من الشعوب تتشكل من تداخل مجموعة القسمات الثقافية والحضارية الغالبة على أفراده ، والتي تميزه عن بقية شعوب العالم في الإطار الإنساني الجامع.

وتتمخض الهوية أو الشخصية القومية عن عملية تاريخية طويلة ومعقدة نتيجة تفاعل مجموعة عوامل بعضها غير مادي مثل اللغة والثقافة والتجربة التاريخية المشتركة، وبعضها مادي مثل الجغرافية والاقتصاد ، تؤدي إلى صهر مجموعات بشرية معينة ضمن كيان قومي موحد”.

وتمثل اللغة والثقافة والعرق من ابرز القواسم المشتركة للهوية القومية، كما هو الحال مع القومية العربية والقومية الفارسية والقومية التركية والقومية السلوفاكية.

وربما تتقاطع الهوية القومية مع الهوية الدينية، او تتداخل معها، اذ يمكن ان نجد مجتمعات عديدة ذات انتماء قومي واحد، كما هو الحال مع بعض الدول العربية لكن افرادها ينتمون الى ديانات متعددة، وفي ذات الوقت هناك مجتمعات متعددة القوميات ولكن تجمعها هوية دينية واحدة، وان اختلفت الانتماءات المذهبية والطائفية.

ولعل تبلور مفهوم الهوية القومية ارتبط بأزدهار الدولة القومية في اوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهبت رياح تلك الافكار والمفاهيم نحو الشرق العربي والاسلامي بصورة تدريجية لتؤدي في اواخر النصف الاول من القرن العشرين الى صعود الحركات والتيارات ذات التوجهات القومية، التي اساءت للقومية العربية اكثر مما دعمتها وعززت وجودها.

وتجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ابلغ واوضح دليل على ذلك، حيث “تعرضت الفكرة القومية والهوية الوطنية في العراق الى صدع شديد في غضون العقود الاربعة الاخيرة، مما ادى الى تراكم متنوع المستويات من ردود الفعل، اتخذت بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والديكتاتورية الصدامية، مظاهرا وصيغا ومستويات فكرية وسياسية مختلفة ومتناقضة ومتضادة”.


الهوية الدينية:

في بعض الاحيان تشكل الهوية الدينية اطار جامعا ومكملا للهوية الوطنية، وفي احيان اخرى يحصل العكس، والعراق يمكن ان يكون مثالا او نموذجا للحالة الاولى، بينما جمهورية يوغسلافيا السابقة، او جمهورية البوسنة والهرسك تعد نموذجا ومثالا للحالة المعاكسة.

ففي العراق مازالت الهوية الدينية-وان تعددت المذاهب والطوائف-عاملا مهما للحفاظ على تماسك وترابط المكونات الاجتماعية ذات التوجهات والانتماءات القومية المختلفة، في حين ان التعدد القومي –السلاف والصرب والكروات- والتعدد الديني-مسلمين ومسيحيين(كاثوليك وارثوذوكس)-ادى الى تفكك وتشظي دولة يوغسلافيا الاتحادية السابقة، والى اندلاع حرب اهلية طاحنة في البوسنة والهرسك، ووقوع مجازر دموية في اقليم كوسوفو، ونفس الشيء حصل في اماكن اخرى، مثل السودان.

والاطار الديني هو في واقع الامر اوسع واقوى من الاطار القومي بكثير، بيد ان التداخل بينهما لاينفي حقيقة وجود نقاط توافق والتقاء بينهما ترجح كفتها على نقاط التقاطع والافتراق، فالقومية العربية على سبييل المثال تلتقي مع الدين الاسلامي في نقاط كثيرة جدا، ولعلنا نجد في القران الكريم اشارات واضحة الى هذا الامر من قبيل (انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون).


الهوية المذهبية:

وقد تكون الهوية المذهبية من القضايا الاكثر اثارة للجدل والنقاش عند الحديث عن الهوية الوطنية، لسبب بسيط هو ان الانتماءات والتوجهات المذهبية غالبا ما تؤدي الى حدوث تشظيات كبيرة وكثيرة في الهوية القومية والهوية الدينية، بل وحتى الهوية العشائرية القبلية، التي سنأتي للاشارة اليها لاحقا.

ونجد مصاديق هذه الظاهرة في مختلف المجتمعات والدول التي يعتنق ابنائها ديانات مختلفة كالاسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها، وهي ذاتها التي تعد مجتمعات ودول متعددة القوميات، كما في الهند والصين والعراق ووو..

وربما يعد العراق نموذجا مناسبا لتقريب الصورة عند الحديث عن الهوية المذهبية، فهذا البلد المتعدد القوميات والديانات، حيث هناك اقليات قومية ودينية عديدة، فيه تنوع مذهبي وطائفي، كان في اوقات كثيرة بمثابة صاعق التفجير للصراعات والازمات السياسية والحروب الداخلية والخارجية.

ولعل قراءة ومراجعة لمجمل الحروب والصراعات في منطقتنا العربية والاسلامية خلال نصف القرن المنصرم، توصلنا الى استنتاج مفاده ان خلفياتها مذهبية وطائفية، وان هذا العامل اقحم بطريقة ما لتوجيه الامور بمسارات معينة محددة عبر اجندات اطراف التقت مصالحها عند نقطة الشد والفتنة الطائفية، وصورة الحرب الاهلية في لبنان (1975-1990) نموذجا ومثالا صارخا على ذلك، والحرب العراقية-الايرانية، وان اريد تصويرها على انها صراع بين قوميتين (عربية وفارسية)، وصراع الحكومة اليمنية مع الحوثيين، والفتنة الطائفية التي اثيرت في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام، وبلغت ذروتها في عامي 2005 و 2006، هي في الواقع امثلة حية وواقعية.

والهويات المذهبية والطائفية في معظم الدول العربية والاسلامية غالبا ما تكون عرضة للتهميش والاقصاء والعزل من قبل السلطات السياسية الحاكمة، حالها في بعض الاحيان حال الهويات القومية او الدينية، ففي المملكة العربية السعودية يتعرض اتباع المذهب الشيعي لسياسات اقصائية بمختلف المستويات، ونفس الشيء يحصل في البحرين، وكان يحصل بأساليب دموية فضيعة في عهد نظام حزب المنحل في العراق، وفي دول اخرى تتعرض الاقليات المسلمة لنفس السياسات كما في الصين ضد طائفة الايغور، وفي نيجيريا، وفي الهند، بل وحتى في دول اوربية وغربية تنتهج السياقات الديمقراطية في ادارة شؤون الحكم والمجتمع، وتتوفر فيها مساحات واسعة من حرية التعبير وضمان حقوق الانسان.


الهوية العشائرية-القبلية:

مازالت النزعات والسلوكيات والثقافات العشائرية-القبلية تهيمن على نظم سياسية ومجتمعات يفترض انها بلغت درجة متقدمة من الرقي والتطور في مجالات مختلفة.

والاشكالية هنا تكمن في ان تلك النظم والمجتمعات لم تتمكن من صياغة وبلورة هوية وطنية شاملة ومتعددة الابعاد والعناوين تنصهر في بوتقتها الهويات الفرعية دون ان تلغي خصوصياتها.

وفي مجتمعات دول الخليج على سبيل المثال، تبرز الهوية العشائرية-القبلية بأجلى واوضح صورها، فالسلطات السياسية تتركز في عوائل تتوارث الحكم بطريقة تقليدية، وحدود الممارسات الديمقراطية محسوبة بدقة بحيث لاتخل بسياقات النظم السياسية، واسماء العوائل التي تهيمن على السلطة وتمسك بزمام الامور واضحة ومعروفة للكثيرين، ففي المملكة العربية السعودية ال سعود، وفي الكويت ال الصباح، وفي دولة الامارات العربية المتحدة ال نهيان، وفي قطر ال خليفة، وهكذا، ونفس الشيء في الاردن والمغرب ذات النظام الملكي الوراثي.

والملاحظ انه في المجتمعات التي تطغي وتهمين فيها النزعات العشائرية-القبلية، تكون هناك حالة تشظي وضعف وتفكك في الهوية الوطنية، وعدم وجود انسجام وتجانس حقيقي بين المكونات الاجتماعية المختلفة، وان بدا للمتابع والمراقب من بعيد ان الامور تسير سيرا حسنا هادئا بلا مشاكل ولا ازمات ولااحتقانات.

ومثلما نجد تداخلا كبيرا بين الهويات الدينية والمذهبية والقومية، فأن تلك الثلاث تتداخل وتتشابك الى حد كبير مع الهوية العشائرية-القبلية، لتكون في بعض الاحيان عامل قوة للكيان الاجتماعي، وفي احيان اخرى عامل تشضي وتفكيك وصراع وتصادم.

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال