حمزة مصطفى ||
الجمعة الماضية شددنا الرحال نحن مجموعة من الأصدقاء العاملين في الحقل الإعلامي والأكاديمي الى “هيت” المدينة الغافية عند أحضان الفرات. وحيث تولي وجهك شطر هيت التي عرفت بنواعيرها الموغلة في أعماق الزمن بالإضافة الى “عين القير” التي تنفرد بها لابد أن تمر بمجموعة من المدن ضمن محافظة الأنبار التي تنتمي اليها هيت المدينة والقضاء والحاضرة العمرانية والثقافية قديما وحديثا. ومن بين مامررنا به على الطريق القديم الفلوجة والخالدية والرمادي وهي مدن تضررت بل بعضها طالها تدمير شبه كامل مثل الرمادي بعد إحتلال تنظيم داعش للمحافظات الغربية.
وعلى الرغم من أن السفرة كانت خاصة فإن شواغل السياسة لاتغيب. فالمسافرون إعلاميون وأكاديميون ولكل منهم وجهة نظر فيما يجري وفيما يراه سلبا أم إيجابا. ولهذا السبب فإن من الطبيعي أن تلفت إنتباهنا أشياء ربما تبدو للمواطن الأنباري طبيعية, بل ربما يراها بعكس مانراها نحن الزائرين لها من خارج المحافظة. المفارقة إننا جئنا من العاصمة التي يفترض إنها النموذج في كل شئ لاسيما الإعمار بدء من الطرق والإنارة والتحديث العمراني, فإذا بنا نرى أن تلك المدن التي خربها داعش بدت أجمل وأكثر نظافة.
بالنسبة لي هذه هي الزيارة الثانية لي الى مدينة هيت في غضون سنتين. قبل السنتين لم أكن أعرف شيئا عن هيت ونواعيرها أو منارتها أو عين قيرها. فأنا لم أشاهد حتى الآن مدنا مثل حديثة أو عانة أو راوة أو القائم. ومن منطلق أن في السفر سبع فوائد كما يقول الرحالة فإن رحلتنا الى هيت التي تمت في غضون ساعتين تقريبا أستطيع القول أن الفوائد نافت على السبعة. فمن ناحية إقتربنا من بعضنا أكثر مع إننا نلتقي في بغداد كثيرا. كما تقاربت رؤانا بشأن ماشاهدناه سواء على إمتداد الطرق التي قطعناها وغالبيتها معبدة ومسيجة وتكثر الأشجار على جوانبها, أو بين الناس حيث لايختلف إبن هيت أو الفلوجة أو الرمادي عن إبن أية مدينة عراقية لجهة الهموم أو الطموحات,
المفارقة اللافتة أن أي حديث عن هيت أو حديثة فإن الذاكرة الجمعية تكاد تختزل المدينتين بالنواعير فقط وهذا أمر غير صحيح. فلهذه المدن حياة وتضحيات وتاريخ وتراث. فالمتحف الذي أقامه الحاج حمدي الهيتي على حسابه الشخصي يمثل تراث هيت الغني في كل شئ. والمنارة التي تعلو قلعة هيت التاريخية تمثل حقبة خصبة في تاريخ هذه المدينة. وعلى صعيد التضحيات فإن الهيتاويين خلدوا شهداء البونمر عند ساحة سميت بإسمهم حين نفذ الدواعش فيهم مجزرة بشعة.
مهمة الناعور في الماضي وظيفية أساسية وليست طبقا للمثل الشعبي المعاصر “يترس ويبدي”.لم تكن مهمة آلية فقط بل دور حيوي للنهوض في المجال الزراعي قديما. أما اليوم فإن وظيفتها سياحية بعد أن تقدمت طرق الري الحديثة. كأعلامي فإن اللقاء بين الناس إن كان بالقرب من النواعير أو في المقهى الجميل المطل على الفرات فإن العراقي في هيت أو الرمادي أو الفلوجة هو نفسه من حيث الهموم والآمال والطموحات في بغداد أو الحلة أو البصرة أو السليمانية. الجميع يريد حلا.والجميع يرى أن المشكلة ليست بين العراقيين بل بين السياسيين.