محمد عبد الجبار الشبوط ||
لسبب ما جعلوا الاول من اذار عيدا للمعلم. وعندي ان المعلم (وهو مصطلح يشمل المدرس والاستاذ الجامعي الخ) يستحق اكثر من يوم للتكريم. فكلنا، ممن حملنا شهادة الابتدائية فما فوق نتاج المعلم الذي صنعنا بيديه على مدى ١٦ عاما تزيد او تنقص من اعمارنا.
واذا كانت المدرسة مثل الوحدة العسكرية، فان المدير هو امر الوحدة، والمعلمون ضباطها، والطلبة جنودها.
في المدرسة يتم بناء الاجيال الجديدة في المجتمع، فالاباء يضعون ابناءهم بتصرف المدرسة ومعلميها على امل ان يتخرجوا منها لكي يصعدوا مسرح الحياة الكبير وهم على اتم الثقة بقدرتهم وكفاءتهم وتأهيلهم للقيام بادوارهم المختلفة.
وبما انني ادعو الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق، فاني اعتقد ان قواعد هذه الدولة واسسها تصنع وتبنى في المدرسة. فليست الدولة الحضارية الحديثة انقلابا عسكريا يقوم به حفنة من الاشخاص، انما هي سيرورة تربوية طويلة الامد عميقة الجذور يزرعها المعلم في نفوس طلبته وهم اطفال ليتخرجوا منها رجالا يحق لهم الاشتراك في الانتخابات، اي يحق لهم تعيين السلطة التشريعية ومن بعدها السلطة التنفيذية في البلاد. فاطفال اليوم هم صناع المستقبل، وبناة الدولة الحضارية الحديثة، والمعلم هو المكلف بجعلهم قادرين على القيام بذلك.
ولكي يكون المعلم قادرا على القيام بذلك، وجب عليه ان يكون منفذا لنظام تربوي مصمم لهذه المهمة، نظام تربوي يمثل خارطة الطريق الى الدولة الحضارية الحديثة. وهذا ما دعوت ومازلت ادعو الدولة الى انجازه عن طريق المجلس الدائم للتربية، الذي يضع ستراتيجية او خطة تغطي ١٢ سنة من عمر العراقي بشكل دوري مستمر ومتداخل وصولا الى ولادة الدولة الحضارية الحديثة بشكل تدريجي وتراكمي.
وتتطلب هذه الستراتيجية، من بين امور اخرى كثيرة، اعداد المعلم ليكون النموذج الحضاري القادر على تربية الطلبة بالقدوة الحسنة والاستيعاب الناضج لفكرة الدولة الحضارية الحديثة.
وهذا يتطلب ايضا ان يولي المجتمع والدولة الاهتمام الكافي والرعاية التامة للمعلم ليتعاظم عنده الشعور العالي بالمسؤولية الذاتية عن القيام بمهمته الجليلة في تنشئة مواطنين فعالين في مجتمع متحضر حسن التنظيم ودولة حضارية حديثة.