جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف المرجعية الرشيدة الصالحة

المرجعية الرشيدة الصالحة

حجم الخط

 



حسن المياح ||


أنا أعلم أن ما أكتبه الآن سيزعج السذج الواهمين والسطحيين والمتطفلين والذين يتصيدون بالماء العكر بالرغم من جريانه المنساب بسلاسة وطلاقة ووضوح ؛ ولكن ثرثرتهم وشوشرتهم وضجيجهم وإنفعالاتهم الموهومة لا تثنينا من السير قدمآ على خط إستقامة التوحيد الرسالي، الذي ينشد طريق الهداية من خلال الإنفتاح الذهني الواعي، والتوقد العقلي الرشيد، والتفاعل المثمر مع ما في الإسلام من عقيدة توحيد، وتشريع رسالي، وقيم خلقية نبيلة سامقة، وما في كتابه الكريم – القرآن الحكيم – من مفاهيم وأفكار ورؤى منفتحة على عالم الواقع والحياة، وما في سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار من آل البيت النبوي الكريم عليهم السلام، والكدح الحثيث المتواصل في خط السير الحضاري الصاعد من أجل تحقيق الهدف من وجود الإنسان، والوصول الى الغاية التي ينشدها الإنسان من خلال سعيه الكادح الى مثله الأعلى ( وهو الله تعالى )، ونيل مرضاته على خط الإستقامة في العبودية والتوحيد والعدل والحرية .

وقد هيأ الله تعالى لدينه الخاتم الإسلام العظيم من يبشر به وينذر، وهو الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، ومن يحمي ويصون الرسالة من الإنحراف والتحريف خلفآ للنبي الأكرم، وهم الأئمة المعصومين الإثني عشر عليهم السلام من خلال وجودهم الحي المباشر الفاعل في المجتمع والناس .

وقد شاءت حكمة الله تعالى أن يحجب ويغيب الإمام الخاتم الثاني عشر الإمام محمد بن الحسن العسكري ( عجل الله فرجه الشريف )، صاحب الأمر والزمان . وأن لا يترك هذه الأمة الوسط التي إختارها الله أن تكون خير الأمم، من الرعاية والمتابعة والتهذيب والسير القويم على خط الأستقامة والنهج الرسالي الإسلامي السليم، أن يختار الإمام المعصوم الثاني عشر الحجة القائم عليه السلام أربعة من الوكلاء الثقاة العدول الواعين المخلصين وبالتتابع لقضاء فترة سبعين عامآ كدورة تدريبية للأمة، لمواصلة العمل الرسالي الحركي الجاد على ضوء المنهج الرسالي الإسلامي الذي وضع أسسه وبنى دعائمه النبي الكريم والأئمة المعصومون عليهم السلام جميعآ في عصر الغيبة، وذلك بإنتخاب وإختيار الثلة الصالحة المؤمنة الهادية المهدية من العلماء المجتهدين العاملين الواعين، وتشييد وبناء مرجعية رشيدة صالحة منهم، لإكمال السير في خط المسيرة الصاعد المتواصل، وإرشاد وهداية الناس للسير على الخط الرسالي المستقيم، وتوضيح أحكام الشريعة لكل الناس، وتوعيتهم وتثقيفهم على فكر القرآن وهدي الإسلام، وصيانة المسيرة من الإنحراف والتزوير والتحريف، وأن يكون عمل هذه المرجعية دائبآ متواصلآ واعيآ فاعلآ مؤثرآ، وذلك من خلال وجودهم اللحظوي في كل وقت وزمان بين صفوف الأمة على مختلف مستوياتها، والنزول والإندماج مع الحالة الإجتماعية العامة للناس للتعرف على مشاكلهم عن قرب، وفهم أوضاعهم، وما يحتاجون اليه من إرشاد وتقويم في القول والعمل والفعل .

فالمرجعية تكون صالحة متى ما أصلحت أمور الناس في الفكر والوعي والخلق النبيل وإصلاح مسيرة العمل الرسالي في حياة الناس، ليكون الدين الإسلامي هو الحاكم المهيمن على سلوك الفرد والمجتمع في كل ميادين الحياة .

فالمرجعية الرشيدة الصالحة التي أسس لها في واقع الإسلام والعمل الرسالي، أن تكون مرجعية حركية متفاعلة واعية نابضة متحركة بصورة مباشرة مع الناس بشخصها، وثقلها، ووجودها العلمي والثقافي، وبحركيتها التوعوية المؤثرة في الفرد والمجتمع من أجل خلق حياة إسلامية تدب على الأرض، من خلال وجود مجتمع إنساني مؤمن رسالي، تكون كل تصرفاته وتعاملاته على ضوء ونور وإشراقة عقيدة التوحيد في الإسلام وأحكام القرآن .

وأما المرجعية التي تطل على المشهد لمجرد فترة ساعة واحدة من خلال صلاة يوم الجمعة، وعلى لسان ممثلها، ويعلن الممثل أن المرجعية تقول كذا، وتريد كذا، وتحرص على كذا، ولا توافق على كذا، …. وما الى ذلك . أقول أن هذا العمل لا يجدي نفعآ يشار اليه في الإرشاد والهداية، لأنه نقل قول على لسان ممثل المرجعية الكريمة، ولم يكن وقعه وتأثيره وفاعليته بقدر ما لو ظهر المرجع الكريم بنفسه وبشخصه وواجه الناس، وإحتك بهم، وتحدث اليهم، فإنه سيخلق جوآ إيمانيآ رساليآ، يعي الناس من خلاله ما يريده الإسلام وما ترشد اليه أحكامه وتعليماته، لأن الإنسان بطبعه أنه حسي يميل الى الحس والمشاهدة، ويتأثر بهما ؛ أكثر منه تجريديآ يتعامل مع الغيب، أو من وراء الجدر والحجب .

وليس في هذا الكلام تجرؤ على مقام المرجعية، أو المرجع، أو الممثل، ولكنها حقيقة يجب أن تقال ويفصح عنها علنآ، وليكن ما يكون، لأن الإسلام يربي وينشأ ويعلم على الوعي والإنفتاح وقول الحق، ولا يخاف المرء فيه لومة لائم، أو تخرص بليد، إذا قال كلمة حق في خط الإستقامة .

لذلك نحن — بإعتبارنا أناس مسلمون نريد معرفة طريق الهداية، وننشد الرشد في فهم إسلامنا، وأن نعيه وعيآ حقيقيآ منفتحآ على مفاهيم القرآن، وأحكام الشريعة، بخلق رسالي قويم، لتتضح الحقائق وتبين الأمور، ويصبح كل شيء أبلجآ ساطعآ ناصعآ من خلال نور الإسلام وإشراقة القرآن، موضحآ بلسان المرجعية الرشيدة الصالحة، ومن خلال وجودها الفاعل في أوساط المجتمع لتلقف السيرة الحسنة الوضاءة للمرجعية المرشدة الى طريق الحق والعدل والإستقامة .

وعليه فيجب أن تكون للمرجعية الرشيدة الصالحة العاملة المتحركة في أوساط الناس بشخصها ووجودها الحي المحرك وثقلها الإيماني المؤثر، طاقة حرارية من أجل إقتفاء أثرها من قبل الفرد والناس من خلال تعاملها الآجتماعي اليومي الذي يعطي دفعة قوية للتحرك الواعي، وإشراقة نور رسالي في السير السلوكي الفردي والمجتمعي، والإنفتاح المشرق على مفاهيم الإسلام وأحكام الشريعة في القرآن .

ولم يكن هذا التطلع، وهذا الفهم شيئآ جديدآ، أو طارئآ على الإسلام، وإنما هما من صميم تحركه الواعي في خط السير الرسالي الدعوتي، من أجل تعبيد الناس لله تعالى جلت قدرته وعلا شأنه .

وخيار مثال على حركية القائد الرسالي المعصوم وتفاعله المباشر مع الناس بدون حجب أو سواتر، مهما كانت الأسباب والدواعي التي يتعذر بها، للدفاع عن عدم مخالطة المرجع للناس والرعية، هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يوم كان خليفة وحاكمآ وقائدآ ومرجعآ — وهو بطبيعة الحال معرض للخطر والكيد — ، وكان يحث الناس بكل إصرار وإلحاح، على أن يحاجوه، ويجادلوه، ويستفهموا منه، ويعارضوه، وكل ذلك من أجل الوصول للفهم الواعي، والتطلع الى الحقيقة، وحقائق الأمور من خلال المناقشة الواعية الجادة مع القائد والإمام المعصوم، وخلق روح التعامل الحركي الواعي، والفهم المنفتح، وخلق جو وروح المؤاخاة بين السائل المتعلم والمسؤول المرشد الواعي المعلم بصورة مباشرة .

فخاطب علي عليه السلام، وهو على منبر الخلافة والمسؤولية، وبشخصه الحقيقي الوجودي المشافه للناس، وبصوته الجهور المعتاد سماعه من قبل الرعية والناس، محفزآ إياهم على كيفية تعلم الأحكام، ومناقشة الآراء بكل جرأة وشجاعة، وبكل أدب وإستقامة وإنفتاح، حيث يقول عليه السلام ::–

( فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي إستثقالآ في حق قيل لي، ولا إلتماس إعظام لنفسي، فإنه من إستثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطيء، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني . )، وحاشا الإمام علي عليه السلام من الخطأ .

فالإمام يطلب من الناس دراسة سلوكه وحكمه وسيرته، وهذه هي مسؤولية السلطة في الإسلام، وهذه هي مسؤولية المرجعية الرشيدة الصالحة في الناس .

فلا يتفيقه، ولا يتحذلق، ولا يخرص، من ليس له وعي بحقائق الإسلام وكمال الدين، وفهم القرآن ووعي الأحكام، ويقول أن المرجعية خط أحمر، ولا يجوز المساس بها .أنت لست أفهم منا في ذلك، وأنها قولة حق يراد بها باطل، وهي ليست في مكانها الصحيح .

المرجعية خط أحمر على كل من حاول الإعتداء عليها، أو على مقامها الشريف الكريم، أو من حاول النيل من شخص المرجع الطاهر الكريم .

أما من يريد حركية المرجع والمرجعية في حياة الناس والمجتمع وبين أوساطهم، إنما يريد لها صولة يومية دائمة في العمل الرسالي، ووجود حركي دائم فاعل في الناس، وجولة منفتحة في عالم الفكر والتثقيف والإرشاد والتهذيب والهداية من أجل السير على خط الإستقامة في طريق ذات الشوكة المليء بالأشواك والعقبات والمنغصات، والمعرقلات والإلتواءات والإنحناءات، لتعبد الطريق وتفرشه بالورود والرياحين وزهور الياسمين، وتسهله وتجعله سالكآ بأمن وأمان بعدما كان طريق معاناة وآلام . هذا هو عمل المرجعية الرشيدة الراشدة الهادية الصالحة في واقع حياة الناس والمجتمع .

فالمرجعية هي الحامية والراعية والمدافعة عن الإسلام كرسالة إلهية، وهي المصححة لخط المسيرة من الإنحراف والتحريف والتزوير، وصمام الأمان للناس في خط الهداية والإرشاد في كل ميادين الحياة في كل لحظة، وكل آن .

ولذا نحن نعتز بمرجعيتنا الرشيدة الصالحة العاملة الحركية الفاعلة المؤثرة الحاضرة بين أوساط الناس، والتي تنطق بالحق وتهدي الى سواء السبيل، وترشد الى طريق الإصلاح، وتعمل على تغيير الواقع المنحرف، وتصحح الإعوجاج أينما يحصل، وتمنع التحريف والتزوير الذي يطرأ على الرسالة وخطها الحركي في عالم الوجود وحياة الناس .

فالمرجعية تكون راشدة رشيدة حينما تصحح الإنحراف والتحريف والإعوجاج في الرسالة والعمل الرسالي، وتزيل التزوير وتقضي على آثاره ونتائجه في حياة الناس ؛ وترشد الى خط إستقامة التوحيد والسلوك الخلقي القويم ؛ وتهدي الى طريق الخير، والإنفتاح الواعي على مفاهيم القرآن، وتطبيق أحكام شريعة الإسلام ؛ وتسدي النصح، وتوعظ لما فيه الخير والصلاح وكمال الإنسانية والتحضر على خط الإسلام .

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال