حازم أحمد فضالة ||
إنَّ المرجعية الدينية في النجف الأشرف، المتمثلة بسماحة آية الله السيد السيستاني (دام ظله)، أعلنت رأيها وموقفها وتوجيهاتها (الملزمة) حول المشاركة في الانتخابات، وتفاصيل خيارات الناخب، وصفات المرشحين بتاريخ: 29-أيلول-2021؛ إذ لم تصدر المرجعية الدينية (بيانًا) كما أسماه بعضهم، بل كانت (إجابةً على استفتاء رفعه جمعٌ من المواطنين)، فتخللت الإجابة لغةً قوية حول الانتخابات ربما لأول مرة، تختلف عن مستوى (التوصيات والإرشادات)، كما سنُظهِر ذلك إن شاء الله.
١- التشجيع على المشاركة في الانتخابات:
افتتحت المرجعية الدينية إجابتها بالآتي:
«انّ المرجعية الدينية العليا تشجع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فانّها وان كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد الى مستقبل يرجى ان يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي… »
نقول:
أولًا: المشاركة الواسعة في الانتخابات صارت ضرورية، ويجب رفع نسبتها إلى أكثر من (50%).
ثانيًا: تكون انتخابات واعية ومسؤولة، أي: لا يُجبَر الناخب على طاعة فلان وآل فلان خوفًا من العقاب، ولا يُهدَّد الناخبون بانتشار جائحة (كورونا) إذا لم ينتخبوا هذه الكتلة.
ثالثًا: إنَّ من يدعو إلى تأجيل الانتخابات، أو يدعو إلى (إعلان حالة الطوارئ) هذا لا يريد للعراق عبورًا آمنًا سليمًا إلى مستقبل أفضل مما مضى.
رابعًا: إنَّ الذين يقاطعون الانتخابات لأجل تأجيلها هؤلاء لا يريدون للعراق تفادي خطرِ الوقوع في مهاوي (الفوضى) والانسداد السياسي.
٢- توجيه مُلزم من المرجعية الدينية العليا للناخبين، إذ قالت:
«وعلى الناخبين الكرام ان يأخذوا العبر والدروس من التجارب الماضية… فيستلغوا هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة… وهو أمر ممكن إن تكاتف الواعون وشاركوا في التصويت بصورة فاعلة وأحسنوا الاختيار»
نقول:
أولًا: هنا بدأت التوجيهات الملزمة؛ إذ قالت المرجعية الدينية «وعلى الناخبين»، وهذا توجيه مهم جدًا، يوجب على الناخبين استغلال فرصة الانتخابات.
ثانيًا: على الناخبين استغلال الفرصة لإحداث التغيير الحقيقي في إدارة الدولة، فهذه الإدارة فاسدة، وعلى من جاء بها مراجعة حساباته، ومراجعة الآلية الفاسدة التي أوصلت العراقيين إليها.
ثالثًا: المفاصل الرئيسة فاسدة، وهي ليست أقل من: رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب، رئاسة الوزراء، وكذلك المناصب التنفيذية الأساس.
رابعًا: دعوة تشجيع أخرى توجهها المرجعية الدينية للواعين ليشاركوا في التصويت مشاركةً فاعلة، ويحسنوا الاختيار.
٣- موقف المرجعية الدينية العليا من الكتل والأحزاب عمومًا، إذا قالت:
«والمرجعية الدينية العليا تؤكد اليوم ما صرّحت بمثله قبيل الانتخابات الماضية من انّها لا تساند أيّ مرشح او قائمة انتخابية على الإطلاق وان الأمر متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم… »
نقول:
أولًا: إنَّ أصحاب الشعارات التي رفعوها ضد كل من: تحالف الفتح، حركة حقوق، واصفين إيّاهم بأنهم يمثلون (قوى اللادولة) وأنَّ أصحاب الشعارات تلك يمثلون (قوى الدولة)؛ هؤلاء خسرت صفقتهم، وخاب سعيهم الانتخابي بإسقاط الحشد الشعبي والكتل الساندة له، لأنَّ المرجعية الدينية لم تضع تلك الشروط، والشعب العراقي لا ينتظر من سياسيٍّ خصْمٍ وضْعَ شروطٍ له لتحديد دعاة الدولة من أعدائها.
ثانيًا: إنَّ المرجعية الدينية لا تنظر إلى الأسماء والألقاب في المرشحين والكتل، فلا علاقة أو امتياز في أن تكون هذه الكتلة تابعة لآل فلان (عائلة دينية)، وكل من يدخل السلك السياسي عليه التصرف بصفته سياسيًا، ويقبل شروط المرجعية الدينية، ولا ينصب نفسه مرجعًا موازيًا لها؛ يفتي بالانتخابات كما يشتهي لأجل كتلته.
٤- إلزام آخر، وصفات المرشح في رأي المرجعية الدينية العليا:
«… ولكنها تؤكد عليهم بأن يدقّقوا في سِيَر المرشحين في دوائرهم الانتخابية، ولا ينتخبوا منهم إلا الصالح النزيه الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا… »
نقول:
أولًا: توكيد على ضرورة التدقيق في سِيَر المرشحين قبل انتخابهم، وليس لأنَّ هذا المرشح أعلنت كتلته أنها من الآن ستأخذ رئاسة الوزراء لذلك ينتخبه، أو أنَّ الانتخابات تحولت إلى ملك لهذه العائلة التي تحمل عنوانًا دينيًا إذًا سترث الحكومة!.
ثانيًا: وردَ نهي في كلام المرجعية هنا وهو (ولا ينتخبوا) فهذه (لا) ناهية جازمة، متبوعة باستثناء أفاد الحصر بالحرف (إلا) (إلا الصالح النزيه الحريص على سيادة العراق… إلخ)، فالمرجعية هنا (تنهى) عن انتخاب غير الصالح والنزيه والحريص… إلخ.
ثالثًا: نهي عن انتخاب الذين لا حرص لديهم على سيادة العراق، وهنا نقول:
أ- إنَّ سيادة العراق تتمثل بطرد الاحتلال العسكري الأميركي والتركي من العراق، وكل من لا يدعو لذلك أو يسمي الاحتلال الأميركي (شرعيًا، قوات تدريب، فِرَق استشارية… إلخ) فإنَّ ذلك لا يستحق صوت العراقيين الناخبين، والقواعد الأميركية كلها تمثل خرقًا لسيادة العراق سواءٌ أكانت في الأنبار أم في أربيل أم غير تلك المحافظات العراقية.
ب- كل من يحاول تلميع صورة الاحتلال التركي، ويسميه (الجارة الشمالية العزيزة) فإنَّ ذلك ضد سيادة العراق، وهو لا يستحق صوت العراقيين الناخبين.
ث- الوجه الآخر من خرق السيادة هو الخرق الاستخباري (الأمني)؛ فعندما يكون هذا المرشح أو تلك الكتلة متورطة مع الاختراقات الخليجية للعراق (السعودية – الإماراتية) وتريد تسليم المعلومات الأمنية التي تخص العراقيين إلى هذه الشركات الخليجية الموبوءة بالصهاينة؛ فهو لا يستحق صوت العراقيين الناخبين.
ت- إنَّ تدمير المشاريع الاقتصادية الإستراتيجية هو خرق لسيادة العراق (وازدهاره)، لأنَّهم يريدون له البقاء رهين دول التطبيع والعمالة مثل السعودية والإمارات، ومن هذه المشاريع: منع الصين من العمل في العراق، محاربة الشركات الإيرانية، تدمير مشروع ميناء الفاو الكبير، رفع سعر الدولار الأميركي وخفض قيمة الدينار العراقي.
ج- إنَّ من مظاهر خرق السيادة هي وجود القاعدة العسكرية (التوحيد الثالثة) في قلب سفارة الاحتلال الأميركي في بغداد، وكذلك نصب المقاومات الجوية (C-RAM) على بوابة سفارة الاحتلال الأميركي واستخدامها في سماء العراق وترويع المواطنين بها، فكل من يسكت عن هذه الممارسات، ويدافع عن تجاوزات السفارة ويتهم الحشد الشعبي والمقاومة بقصف البعثات الدبلوماسية؛ فهو لا يستحق صوت العراقيين الناخبين.
رابعًا: إنَّ تصريحات ميثم الزيدي في كربلاء المقدسة من داخل الأضرحة المقدسة يوم الزيارة الأربعينية، معلنًا ابتكاره اسمًا جديدًا لبعض ألوية الحشد الشعبي ليسميها (حشد العتبات)؛ هذا يمثل خرقًا (لأمن العراق)، إذ لا يوجد قانون في العراق يجيز للوقف الشيعي الاستقلال بتنظيمات عسكرية، وهذه الألوية إما تستمر بانضوائها تحت المظلة الشرعية للحشد الشعبي وإما هي تنظيمات تضر (بأمن وازدهار) العراق.
٥- القيم الأصيلة والمصالح العليا:
«… المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا… »
نقول:
أولًا: المرجعية الدينية العليا تقف بالضد من كل الذين يحاولون العبث بالقيم الأصيلة للشعب العراقي، فهي ضد كل من:
أ- التيارات العلمانية والليبرالية الغربية.
ب- التيار التابع للسفارتين الأميركية والبريطانية (الجوكر).
ث- المطبعين ورعاة ودعاة التطبيع المتمثلين بمؤتمر أربيل للذل والعار، وكذلك أصحاب الدعوات للحج إلى مدينة أور في ذي قار، وبناء (بيت إبراهيم لحوار الأديان) فهذه كلها دعوات للتطبيع مع الصهاينة، وهي تخالف القيم الأصيلة والمصالح العليا للشعب العراقي الكريم.
٦- المرجعية الدينية العليا (تُحَذِّر) العراقيين:
«… وحذار أن يمكّنوا أشخاصًا غير أكفاء او متورطين بالفساد او أطرافًا لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم او تعمل خارج إطار الدستور… »
نقول:
أولًا: المرجعية الدينية تستعمل مستوى (التحذير)، وهو كما قلنا مستوىً أعلى من المستويات السابقة مثل (التوصيات والإرشادات)؛ فهي تحذر وتنهى وتمنع تمكين الأشخاص غير الأكفاء والمتورطين بالفساد.
ثانيًا: المرجعية الدينية تنهى وتمنع وتُحَذِّر من تمكين الأطراف التي لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم، وهذه الأطراف هي:
أ- العلمانيون.
ب- دعاة الليبرالية الغربية.
ث- حملة المشاريع الليبرالية الغربية مثل: قانون العنف الأسري المستل من اتفاقية (سيداو).
ت- المطبعين ودعاة التطبيع مع الصهاينة.
ج- كل من يحارب الإسلام الأصيل.
ح- كل من يحاول إلصاقنا بإسلام الوهابية والذل والتطبيع المتمثل بالسعودية (آل سلمان)، والإمارات (آل زايد).
ثالثًا: المرجعية الدينية تُحَذِّر وتمنع وتنهى من كسر الدستور كما حصل في التكليفات السابقة لرئاسة الوزراء، في انتخابات 2018، وكذلك ما يحدث من هدر وتوزيع غير عادل لثروات العراق خلافًا للدستور.
رابعًا: على السيد ميثم الزيدي (فرقة العباس القتالية) مراجعة تصريحاته وأفكاره، التي يخالف بها الدستور والقانون؛ بإعلانه خلق تنظيمات عسكرية تابعة للوقف الشيعي، ومِنْ ثَمَّ العتبات المقدسة ليسميها (حشد العتبات)!
٧- التأكيد على أمن ونزاهة الانتخابات:
«… كما تؤكد المرجعية الدينية على القائمين بأمر الانتخابات ان يعملوا على اجرائها في اجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال او السلاح غير القانوني او التدخلات الخارجية، وان يراعوا نزاهتها ويحافظوا على أصوات الناخبين… »
نقول:
أولًا: على الحكومة تحمُّل مسؤوليتها في حماية أجواء الانتخابات، وإحكام الأمن على تفاصيلها.
ثانيًا: المال والسلاح غير القانوني لا يُسمَح له فرْضَ سلطة تغيير الواقع في الانتخابات، لا حرق صناديق!، ولا ممارسة القهر لحصد الأصوات.
ثالثًا: السيدة جينين بلاسخارت، عليها طرد أية جاسوسة صهيونية تابعة لها من العراق كانت قد هيئتها، وعليها احترام نتائج الانتخابات، وعدم تزويرها.
رابعًا: الحكومة تتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن ونزاهة الانتخابات، وأصوات الناخبين.
٨- المرجعية الدينية هي التي تقود الأمة، وهي التي تضع الشروط اللازمة في شخصية المرشح، وهي التي تحمي شرعية الانتخابات، وهي التي تؤكد الحفاظ على سيادة الدولة العراقية، وهي التي تؤكد وجوب الحفاظ على القيم والثقافة والثوابت الأصيلة للشعب العراقي، وليس لأحد ما دون المرجعية الدينية التطاول على هذا المسار، فالكلمة العليا للمرجعية الدينية، والعراقيون يقفون مع مرجعيتهم وحوزتهم العلمية.
والحمد لله ربِّ العالمين