جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة


 ضحى الخالدي 


الى كل الطوائف دون استثناء

في تأريخ البشرية شخصيتان لا يقاس بهما أحد: محمـد، وعلي.

وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام يرى نفسه قطرة في بحر رسول الله محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، فلا عبادة كعبادة رسول الله رغم أن سيد الساجدين يتحسر حين يقلّب الصحيفة العلوية قائلاً: ومَنْ ذا يطيق عبادة علي بن أبي طالب؟!

ولا زهد كزهد رسول الله، الذي كان يضرب به أمير المؤمنين الأمثال حين عوتب على جشب مأكله وخشونة ملبسه، إذ كان رغيفه اليابس من الشعير الذي يطحنه بيديه، وإدامه الملح أو الخل أو الرائب الحامض، فيقول: لقد كان رسول الله يأكل أيبس من هذا، وأحمض من هذا…، ووالله قد كان يشد حجارة الجوع الى بطنه، فيبيت خميصاً.

ولأن محمداً لا يقاس بأحد، ولا يقاس به أحد، فوق المخلوقات ودون الخالق، فدعنا مع علي؛ ولعمري ما الانسان إلا علي، والأئمة من ولد علي، إذ كان الصادق والرضا في زمن اليسر يرتديان الخز ظاهراً، وتحته كرابيس القطن الخشنة على جلودهم.

علي الانسان، وما بعد الانسان.

من ذا يسير دون حماية مثل علي؟ وهو الشخص الأول المطلوب للاغتيال منذ استشهاد رسول الله حتى استشهاده؟ والشام معلنةٌ عصيانها وتمردها عليه، واليمن يسومها الطلقاء شر العذاب في غاراتهم؟ وخاض ثلاثة حروب كبرى خلال أربع سنوات؛ بمعنى أن الوضع الأمني لم يكن مستتباً له، ولو على المستوى الشخصي.

لم يهدد، ولم يتوعد، فيما كان الإعلام المأجور في الشام ينال منه حتى قيل: أوَكان عليٌ يصلّي؟! وهو المولود في قلب قِبلة المسلمين، والمستشهَد في محراب المسجد؛ لقد كان كله صلاة.

من ذا يجوع حتى تشبع كل رعيّته مثل علي؟

من ذا يأكل مثلما يأكل فقراء رعيّته مثل علي؟

من ذا يلبس مثلما يلبس فقراء رعيّته مثل علي؟

من ذا يستقل من المركبات: المواصلات العامة كما يستقل فقراء رعيّته؟ كما كان يركب بغلته علي؟

أو يسير على قدميه علي؟

من ذا يسكن كما يسكن فقراء رعيّته كما فعل علي، إذ سكن صريفةً بالإيجار، وهو الحاكم المطلق على دولة تمتد من إيران الى مصر؟

من ذا يرحل عن هذه الدنيا مديناً، وفي حياته الدنيا كان يكنس بيت المال في كل ليلة، إذ لا يبقى دينار ولا درهم إلا في يد مستحقيه، وهو الحاكم مبسوط اليد؟

من ذا يجالس الناس بلا حرّاس ولا حُجّاب مثل علي؟

من ذا يحتكم الى القضاء وهو الحاكم دون لجوء الى الترهيب والترغيب مثل علي؟

نعم تغيرت الأحوال، وتطورت الأوضاع، واختلفت الظروف، لكن علي واحد.

لا تحمّلوا الناس فوق طاقتهم وجهدهم.

نعم هم قادة وزعماء وبشر قبل كل شيء، قد يحملون شيئاً من علي، ويتأسّون بعلي، وقد يجري عليهم شيء من آلاف ما جرى على علي، وقد يستشهدون بذات طريقة استشهاد علي، وقد يموتون كل يوم ألف مرة كما مات في كل يوم ألف ألف ألف مرة علي، لكن لا يمكن وصفهم بأنهم (علي) فينا، ولا حتى الإمام الخميني (رض.) بزهده وحكمته وقدسيته وجبروت ثورته التي غيرت وجه العالم، وحرثت أرضه، لا يمكن وصفه بأنه (علي) فينا، فكيف بمن هو دونه…. بمراحل؟!

على الحاكم والقائد والزعيم أن لا يفرح بهذه الألقاب التي تطلق في لحظة عاطفية، لأنها ستحمله فوق طاقته، وسيُسأل عن ذلك يوماً.

علي لم يفرح بمنصب، ولم يسعَ إليه، فقد زان الخلافة وما زانته، وما قَبِلَها إلا ليقيم حقاً، أو ليزهق باطلاً، وينصف مظلوماً، ويردع ظالماً، ويقوّي ضعيفاً، ويرد مستقوياً بغير حق؛ لا ليتوسط لفاسد، أو ليقرّب فاجراً.

لا تفرحوا بالمديح الصادق، أو التملق الكاذب لأنه ينفخ في أناكُم، ويزيّن القمئ، ويشين الحَسَن.

ثم مالكم وعلي؟!

فوالله إنها لمسؤولية تقصم الظهر، وإنْ قام منها أحدكم قام محدودباً لا يطيق رفع رأسه، وسيطول وقوفه بين يدي الله مسؤولاً عنها؛ ألا يكفيكم سيف الكرسي المسلط من السماء على رقابكم؟!

أينكم من علي، وصوت المظلوم والفقير لا يصلكم؟

أينكم من علي، وصحبه عمار ومالك وميثم وكميل؛ فيما تقرّبون شعيط ومعيط وجرّار الخيط الذين أساؤوا لكم، وما نصحوا، وأحاطوكم بالجهلة وأنصاف الجهلة، والخونة والانتهازيين، وأبعدوا عنكم كل صوت مخلص، وقطعوا كل إصبع يوضع على الجرح؟

أينكم من علي الذي يخشى أن يسلب نملةً جلب شعيرة؟!

أتركوا علياً وشأنه، فقد جلس الشعب على الحديدة، وسرق أصحابكم السفهاء حتى الحديدة..

والحديدة ليست بالضرورة كنايةً عن الدينار والدرهم.

أينكم من علي؟! والدخول على معاوية والحجاج أهون وأيسر من الدخول عليكم، وحُجّاب معاوية والحجاج خيرٌ من حُجّابكم، وحُجّابكم شرٌّ من حُجّاب معاوية والحجاج؛ فقد كان الموالي والمعارض، والناصح والكاشح، والمحب والمبغض، يدخل عليهم، فإما أكياس الذهب والفضة، وأما رأسٌ على نطع، أو في زنبيل؛ لكن دون ذلك كلمةٌ حقٍّ عند سلطان جائر خلّدها التأريخ.

الشريف في زمن العُهر حتى وإن أحاطته بطانة السوء، لا بد له من منفذ شريف عفيف يوصل إليه صوت الحق، أما أن يغلق كل منافذ الخير حول نفسه، ويصدّر صورته الوردية للإعلام حسب الأمزجة؟ فلا والله، فلا صدّق ولا صلّى، وما له ولعلي في شيء، إنما هو لصدام الخنا أقرب.

ألف سجان وسيّاف على الأبواب

يأكلون من جرفك.

ويحولونك الى بندقية أثرية معلقة على الحائط

يتراكم عليها التراب حتى يغطيها ويخفيها؛ كي يظهروا هم على حسابك.

أنت لست كعكة يتقاسمونها وأنت حي، كما تقاسموا هُم وغيرهم غيرَك وهو شهيد.


تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال