علي حسين الاشرفي||
ما هي الخطوات اللازمة للسيطرة على المجتمعات؟
تحدثنا في مقال سابق عن المنظومات المهمة، التي يرتكز عليها أي مجتمع، فقلنا إن المنظومة الدينية، والمنظومة العشائرية، ومنظومة الأخلاق، في طليعة المنظومات، بالإضافة إلى المنظومة التعليمية.
الطاغية المقبور، عندما أراد أن يفرض سيطرته على البلاد، فأشاروا عليه بضرب المنظومات، قبل الشروع بمشروعه الدكتاتوري.
بالنسبة للمعلم، كان يعتبر قدوة، وممكن أن يصنع رأي عام، فقام الطاغية بتجويعه، حيث كان مرتب المعلم الشهري، لا يكفي ليشبعه يوم واحد، فوصل مرتبه الشهري ثلاثة آلاف دينار فقط، في حين عامل البناء يمكن له أن يحصل على هذا المبلغ، خلال يومين فقط، والنتيجة كانت أن كثير من الكوادر التعليمية، بدأت تفكر بعمل إضافي، فتخيل إنك لو كنت معلم، أن يأتيك احد تلامذتك، ويشتري منك الطماطم بعد الدوام، هذا غير بعض الكوادر التي أخذت الرشى، فأنتهت صورة ذلك القدوة، وأصبح لا يستطيع تحريك عائلته، فضلا عن تحريك الرأي العام.
المنظومة العشائرية كان لها نصيب أيضا، فعمد الطاغية إلى تغيير الكثير من الشيوخ، وصدر الكثير من زبانيته، ليكونوا شيوخ عشائر، والعملية لم تكلفه إلا مسدس وهوية لكل واحد ويصبح شيخًا، فأصبح شيوخ البعث شكلًا فقط ومن دون مضمون، ولا يفقهوا من (الحسچة) شيئًا، وهذا الأمر ضرب المنظومة العشائرية، للحد الذي جعل الكثير من الشباب، ليس لديهم أي إرتباط عشائري.
أما بالنسبة للمنظومة الدينية، بدأت الحكاية معهم بالترغيب، وعرض عليهم المال والجاه، وهذا ما قرأناه في رسالة الطاغية، إلى السيد محمد باقر الصدر (قدس)، وبما إن علمائنا وصلوا لدرجة، لا يفكرون بالمال والجاه، فلم يجدي هذا الإغراء معهم نفعًا، فقام الطاغية بتوجيه زبانيته، لملاحقتهم، وسجنهم، وقد تجرئ على إعدام الكثير منهم.
أما بالنسبة لطلبة العلوم الدينية ( المعممين ) فهم تربية العلماء والمراجع، فلم يهابوا الطاغية، حتى قضوا نحبهم، بالمقابر الجماعية، برفقة عوائلهم وكل أقاربهم والمعارف.
وبما أن أعدادهم كبيرة، فقرر تشويه سمعتهم، فقام البعث بتوجيه أعداد كبيرة، من الأمن الصدامي بأرتداء العمامة، والإتيان بتصرفات غير مقبولة، كي يكون طالب العلم ( المعمم ) محلًا للنقد، وغير محترم مجتمعيًا، فيحكى إن أحد المعممين، الذين إدعوا رؤية هلال العيد، عند الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس )، عند شهادته حصل الشكّ عند السيد الشهيد، فقام السيد الشهيد وفكّ عمامته، وأمره بأن يلفها ويلبسها، فلم يستطع، وهذا يعني إنه ليس من طلبة العلم، لأن طلبة العلم، من السهل لديهم لف العمة ولبسها.
وحادثة المعمم الذي وجده السيد الشهيد، يأكل (الباقلاء) في الشارع، وعلى العربة، فقدم السيد الشهيد إليه، مادًا يده إلى عمامة الرجل وقال له (أعطينا عمامتنا، وأكل باگلة براحتك) وأخذ العمامة منه في الحال.
يذكر بأنه قدم شخص لأحد المراجع، وقال له (سيدنا المعممين صاروا لصوص) فقال له، (بل اللصوص سرقوا العمامة، ولبسوها)
فما أشبه اليوم بالأمس، فعمليات تشويه العمامة مستمرة، واللصوص فعلًا قد سرقوا العمامة، لانه من المستحيل أن يتحول المعمم إلى لص.
وبالتالي هي محاولات لخلق فجوة بين الحوزة والدين ورجاله، وبين المجتمع، فإن نجحوا لا سامح الله، فقد تمكنوا من السيطرة على المجتمع، وهذا محال، ولهم من الشباب الذين لبوا فتوى الجهاد الكفائي، خير دليل، على قوة العلاقة بين مجتمعنا، ومنظومتنا الدينية، فالشاب العراقي لديه عمق ديني، مهما إبتعد عن الدين، سيعود إليه حتمًا، وسينصر دينه، ومن المستحيل أن يكون خذلان للمراجع ورجال الدين، في مجتمع مثل المجتمع العراقي.