جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الخطأ والصحيح في استخدام مفهوم “بناءاً على مقتضيات المصلحة العامة”

الخطأ والصحيح في استخدام مفهوم “بناءاً على مقتضيات المصلحة العامة”

حجم الخط

 

د. جواد الهنداوي ||


سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي

للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل .

في ٢٠٢٢/٨/٢٢.

يراودنا الشك و الحذر حين يكون مُستهّلْ القرار او الامر الاداري او السياسي ،الصادر من دوائر الدولة هو :

” بناءاً على مقتضيات المصلحة العامة ” .

المفهوم سلاح ذو حدّين ، هو ( واقصد المفهوم ) كلام حقْ ، واحيانا يُراد به أمرٌ باطل !

أنحسرَ استخدام المفهوم في الدول الديمقراطية الغربيّة ، ولم يعُدْ استخدامه مقبولاً ، الاّ في قرارات نادرة ،تمسُّ سيادة و امن الدولة ؛ على سبيل المثال ، يتكرر استخدام المفهوم في قرارات الادارة الفرنسية ،التي بموجبها ترفض الوزارة الفرنسية المعنيّة منح طلب الجنسيّة لاجنبي ، معلّلة قرارها ” بمفهوم مقتضيات المصلحة العامة ” ،دون ذكر اسباب الرفض . ولكن حين يؤول الامر الى القضاء ،يطالب القضاء الحكومة الفرنسيّة بتبيان تفسير ” لمفهوم مقتضيات المصلحة العامة ” ،اي يطلب القاضي من المدعي العام الفرنسي الفصح عن السبب الذي حرمَ الاجنبي نيله الجنسيّة ! ويستخدم المفهوم ايضاً عند استخدام الدولة لوسائل العنف المشروعة في فرض الامن وسلطة القانون عند حدوث عنف وعصيان وتمّرد و اعتداء على مؤسسات الدولة وتعطيل لعملها ، ويحدثنّا الماضي القريب عن ما قاله وزير الداخلية الفرنسي الاسبق ( شارل بسكوا ) في منتصف تسعينيات القرن الماضي ، وهو يستخدم العنف المشروع في اخماد تظاهرات تميّزت بالعنف و الاعتداء على مؤوسسات الدولة ،حيث صرّحَ ” بأن حدود الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير والرأي تتعطّل حين تكون المصلحة العامة او النظام العام ( l’ordre public ) في خطر .

القصدْ مما تقدّم هو أنّ استخدام مفهوم ” بناءاً على المقتضيات العامة ” لتبرير القرارات الادارية أصبحَ استخداماً غير محمود ، لاسيما مع توجهّات الدول والمجتمعات نحو تطبيق معايير الشفافيّة و الرقابة و محاربة الفساد والمحسوبية و المنسوبيّة .

وبالعكس تلجأ الدول الديمقراطية ، الى تبرير اجراءات القوة المشروعة ، الى مفهوم النظام العام او مقتضيات المصلحة العامة حين تشعر بان نظامها السياسي او سيادة الدولة وهيبتها ومكانتها في خطر او حين تواجه الدولة حالة تمرّد او عصيان او فوضى او تظاهرات تحرّض الشعب والجيش الى التمرد و الانقلاب ..

وقد يكون ظاهرة التمرّد والتظاهرات ،التي عاشتها فرنسا في شهر آيار عام ٢٠١٨ ، والتي سميّت باصحاب السّتر الصفراء ،خير مثال على ما نكتب ؛ حيث كان لهذه الحركة الاحتجاجية الشعبية اثراً كبيراً على الاقتصاد وصداً دولياً و ارهقت الحكومة الفرنسيّة ،مما اضطرها الى استخدام وسائل العنف المشروعة ، والتي تمثّلت بملاحقة مثيري الشغب ومحدثي الاضرار قانونياً و أمنياً ، ومارست اعتقالات كبيرة و تفريق بالقوة للمتظاهرين .

وقد خلّفت اجراءات العنف المشروعة من قبل الحكومة الفرنسية عشرات القتلى و مئات الجرحى و المعتقلين ، واقتضى الامر تعاون اوربي و دولي بين الحكومة الفرنسية وبلجيكا و المانيا من اجل وأد الحركة و فرض الامن و الاستقرار في فرنسا ، وقد كان تبرير الحكومة لاجراءاتها هو ” مقتضيات المصلحة العامة واحترام النظام العام والحفاظ على مؤوسسات الدولة و الاقتصاد ” .

المبدأ الذي تتكأ عليه الدول الديمقراطية في ممارستها لوسائل العنف المشروعه ،لفرض سلطة القانون وحفظ النظام والدفاع عن الدستور والنظام السياسي ، هو انّ سلطة القانون والنظام والدستور ، هي جميعها مرتكزات تمثّل ارادة الشعب و تعبّر عنها ، ترّددْ و امتناع السلطات المعنيّة والسلطات الدستورية عن ممارسة دورها ، وصلاحيتها في فرض سلطة القانون والنظام و الدستور و الحفاظ على سيادة الدولة داخلياً و خارجياً يضعُ تلك السلطات في موضع المساءلة والتقصير بعدم حماية واحترام ارادة الشعب ، بل يجعل تلك السلطات تواجه اتهام التواطئ مع حركة التمرّد و العصيان و الخروج عن القانون .

في فرنسا ، بلد الديمقراطية المباشرة والنظام السياسي شبّه الرئاسي ، تختفي كلياً عبارة ” بناءاً على مقتضيات المصلحة العامة ” من متن القرارات الادارية و السياسية ، ولكن يحضر ويطبّق بقوة هذا المفهوم عندما يكون امن ونظام و سيادة الدولة في خطر .

في العراق ، البلد الذي لا يزال في مسار ديمقراطي متعثّر ،و نظام سياسي هجين ( لا هو برلماني ولا هو رئاسي ولا هو شبه رئاسي ، وكتبنا و كررنا ومنذ اصدار الدستور لماذا هو هكذا ) في العراق يحضر مفهوم ( بناءاً على مقتضيات المصلحة العامة ) في اوامر وقرارات التعيين ، ويختفي حيث الحاجة له وبالحاح ، وذلك عندما تقتضي فعلاً المصلحة العليا للدولة التدخل من اجل فرض القانون والحفاظ على النظام .

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال