جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الثقة بالله والأمل في الأمثال الشعبية العراقية

الثقة بالله والأمل في الأمثال الشعبية العراقية

حجم الخط

 

د.أمل الأسدي ||


شربت وشربت يازبيب

ويالنادب الله ما تخيب


تعد الأمثال الشعبية مصدرا للحكمة، وخلاصةً مكثفة مختزلة لتجارب الحياة التي يمر بها الإنسان، فتأخذ منه، وتعطيه وتقومه، وقد يكون المثل مرتبطا بحدث ما أو قصة ما، تنتهي بجملة تمثل مغزی الحكاية، فتشتهر الجملة وتشيع لتصبح مثلا تتناقله الألسن، وتستشهد به في حوادث الحياة وأحداثها المشابهة لقصة المثل.

ومن هنا سنقف عند الأمثال الشعبية العراقية المتعلقة بالأمل والتفاؤل والثقة بالله سبحانه وتعالی،والجدير بالذكر أن الحياة في العراق وعلی مر العصور كانت صعبة وفيها تعقيدات كثيرة، فبيئته الغنية الزاخرة بالثروات، جعلته هدفا في عيون الطامعين والمستعمرين وكل من يعتاش علی ثروات غيره؛ لذا جاءت الأمثال الشعبية العراقية عميقة، معبرة بتكثيف واختزال عما يدور في العراق من أحداث.

وبما أننا نمر بأوضاع غير مستقرة،ونعيش في أزمات كثيرة، ناهيك عن النزعة المادية التي طغت علی حياتنا بعد الانفتاح المفاجئ الذي حدث بعد التغيير، وإطلاق وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت بلا قيود أو تقنين؛ اخترت أن أعود بالمتلقي إلی الأمثال الشعبية التي تحث علی الصبر والتفاؤل والأمل، والتي اعتدنا أن نسمعها من الامهات والجدات، سيدات الفطرة والتلقائية الجميلة، ولاشك أن لهذه الأمثال أنساقا مضمرة مرتبطة بثقافة الشعب العراقي، وهويته الإسلامية المهيمنة،وبعد انتشار المثل ، يصبح سياقا عاما يستعمله الجميع،ومن أهم تلك الأنساق هو القرآن الكريم والآيات التي تتحدث عن حضور المدد الإلهي، وحضور الفرج واليسر حين يمر الإنسان بأزمة ما، ومن ذلك قوله تعالی:((( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) ) سورة الشرح، الآيتان:٥-٦

وكذلك قوله تعالی:((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ )) سورة الطور، الآية ٤٨

وأيضا قوله تعالی:((…سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)) سورة الطلاق، الآية: ٧ وغيرها من الآيات القرآنية الحاثة علی التفاؤل والصبر والجلادة والثقة بالله والتوكل عليه، فضلا عن طبيعة المجتمع العراقي والبيئة العراقية المرتبطة برسول الله الأعظم وأهل البيت(صلوات الله عليهم) وقصصهم وبطولاتهم وتأييد الله لهم ونصره لهم في الشدائد، كل ذلك جعل حضورهم في واقعنا اليومي مقرونا بالثقة بالله والتوكل عليه وانتظار فرجه الذي يأتي من حيث لا نعلم ولا نحتسب، فحين تمر الأسرة بضيق تسرع الأم لقراءة قصة ” حلال المشاكل” وتجتمع الأسرة حولها وحول طبق الحلوی(الزبيب والحمص) ويردد الجميع:

ناد عليا مظهر العجائب

تجده عونا لك في النوائب

كل هم وغم سينجلـــي

بولايتك يا علي ياعلي ياعلي

وقد تجد الأمهات يرددن وقت الغروب:

ـ يا صاحب الغروب وياعلي المندوب”

أو تجد الأم تضع رأسها في فوهة التنور وتنادي:” يا الزهرة حضرينا” وهذا ما يُعرف بتنور الزهرة في المخيال الشعبي العراقي، وهكذا ترتبط البيئة الاجتماعية العراقية بالإسلام وبرسول الله وأهل بيته، ارتباطا وامتزاجا لم يستطع الطغاة علی مر العصور تذويبه أو تمييعه أو تغييره، وإلی هذا الارتباط وهذا الإيمان تعود جُل الأمثال الشعبية والقصص وحكايات السمر المتعلقة بالثقة بالله والتفاؤل، ومن تلك الأمثال:

⭕ ساعة من ساعة فرج

⭕ دورة ولفتة

⭕ ما تضيق إلا ما تفرج

⭕تبات نار تصبح رماد

⭕ من الباب للكوسر فرج

⭕تگضي وتصير سوالف

⭕ شربت وشربت يازبيب، ويالنادب الله ما تخيب!

⭕بين المغرب والعشا، يفعل الله مايشا

⭕ دوام الحال من المحال

⭕ ياغافلين الكم الله

⭕شدة وتزول

⭕الي يطيح من السما تتلگاه الگاع

⭕ الي يشوف بلاوي الناس، تهون عليه بلواه

⭕ اصبر علی الحصرم تاكله عنب

⭕طول البال يهدم جبال.

وهنا سأتحدث لكم عن حكاية ” شربت وشربت يا زبيب ويالنادب الله ما تخيب” إذ يرددها الناس أوقات الشدائد والمحن، وملخص هذه الحكاية هو:

كان هناك رجل يبيع عصير الزبيب،وذات يوم مرّ السلطان من قربه، وشرب من عصيره فأعجبه كثيرا، وطلب منه أن يأتيه كل يوم بالعصير، وصار الرجل يأتي يوميا بالعصير، ويعطيه السلطان مبلغا جيدا مقابل ذلك، وصار لهذا الرجل الحظوة والمكانة لدی السلطان، مما أثار حسد العاملين في القصر بما فيهم صديق بائع العصير!!

فقد زار صديقه وقال له: جلبت لك طعاما شهيا ممتازا، وحين أكله، بدت رائحة الثوم من فمه، فأشار عليه أن يذهب الی السلطان مُلثّما حتی لايشم رائحة الثوم وكي لا يكرهه السلطان ويكف عن شراء عصير الزبيب!!

ثم سبقه الی السلطان وأخبره أن صاحب العصير يقول: إنه يشم رائحة كريهة تنبعث من السلطان!!

وحين قدم بائع العصير وكان مُلثّما، استيقن السلطان من الأمر، فكتب له كتابا، وقال له: هذا الكتاب مفاجأة لك وجائزة، لاتفتحه وسلمه لقائد الجند!!

فخرج الرجل فرحا، ووجد صديقه. فأعطاه الكتاب، وقال له: خذ الجائزة لك، تستحقها!

فأخذ المنافق الكتاب وذهب لقائد الجند مسرعا!!

وحين فتح الكتاب قرأ فيه: اقطع رأس من يسلمك الكتاب فورا!!!

فقطع رأس المنافق بدلا عن بائع العصير!!

وفي اليوم الثاني، اندهش السلطان حين رأی بائع العصير، وروی له حكاية صديقه، الذي ذهبت حياته نتيجة حسده وحقده! ومن يومها صار بائع العصير يتجول في الأسواق وينادي:

شربت وشربت يا زبيب

ويالنادب الله ما تخيب!!

ويردد الناس مقولته للدلالة علی رعاية الله لكل غافلٍ متوكلٍ، مسلِّم أمره إلی الباري سبحانه وتعالی!!

وهكذا تقودنا هذه الأمثال الحاضرة في واقعنا اليومي إلی الثقة بالله والصبر وعدم الانجرار الی اليأس والجزع، فإن الله حاضر شاهد قريب من عباده، وأن أبوابه مُفتّحةٌ للوافدين، وعلينا أن نتشبث بهذا المنطق ولا نسلّم ولانذعن إلی ما يحاول الشيطان وماكنته الخبيثة بثه بين الناس، من توهينٍ وتيئيسٍ وتثبيط وإحباط، فلن تفلح العدمية في بلد كالعراق، تربی علی محبة محمد وآل محمد(صلوات الله عليهم) وتربی علی إحياء ذكراهم علی الرغم من الفاصل الزمني البعيد، فنجده في شهر المحرم الحرام يتصرف وكأن يوم عاشوراء الآن، وفي الأربعينية وكأن السيدة زينب قد أتت الآن لزيارة الحسين(عليهما السلام)، وفي شهر رمضان يشعر أن ضربة ابن ملجم الشقي قد وقعت الآن، وفي شهر رجب يشعر أن الإمام موسی بن جعفر(عليه السلام) قد اُستشهد الآن!!

وهكذا يعيش بمشاعر طازجة، وإيمانٍ فطريّ، وتسليم مطلق، وبهذا الإيمان و التسليم انتصر علی القوی الظلامية التي استهدفته بشتی الوسائل، حروب ودمار وحصار وطائفية ومفخخات وسبي وتهجير …الخ

فهو شعب محبّ للحياة، يبتسم ويرحب ويكرم في كل الأحوال، شعب يردد:

من الباب للكوسر فرج!


التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال