علي عنبر السعدي ||
ما سرّ التحولات في السعودية ؟؟والى أين تتجه ؟؟؟
(((المطبخ الإستراتيجي في السياسية السعودية، يضمّ عدداً من الرموز المنفتحة على مايجري في العالم، وهي ذاتها التي إستطاعت الإمساك بعصب الإعلام والإقتصاد وقد خططت لشراء عدد كبير من المزارع النموذجية في مختلف البلدان الآسيوية والأفريقية ـ تركيا ـ السودان ـ تنزانيا ـ نيجيريا ـ وسواها، كي تكون من ثم مصدر غذاء للمنطقة، وتنوع في الوقت عينه من مصادر الدخل ربما استعداداً لنفاد البترول، كذلك التوسع في نفوذها السياسي بطريقة تبادل المنفعة، وتلك هي سياسية المستقبل ان شئنا الدقّة.
لاشك ان تخطيطاً استراتيجياً يسعى الى الإمساك بعصب الحياة (الغذاء) وعصب الإقتصاد (المال) وعصب الثقافة (الإعلام) وعصب الحركة (البترول) سوف يسعى كذلك الى إطفاء نقاط التوتر وتجنب الدخول في عداوات شديدة يمكن ان تعرقل ـ وإن بنسبة ما ـ تلك الاندفاعة، فرأس المال بحاجة الى مناطق آمنة كي يزدهر، والشعوب الجائعة تبحث عن غذاء أيّا يكن مصدره، وباستثناء البلدان التي تعتمد تصدير الأسلحة لإنعاش موازناتها، فالسعودية ليس فيها مصانع للسلاح كي تشعر بحاجتها الى تأجيج الصراعات ـ الا في حدود دنيا واضطرار محدود في وقته ومكانه ـ وهي في المشهد العام تبدو كحامل العصا في الفرق الموسيقية العسكرية، يمسكها تارة من الوسط وطوراً من أحد الاطراف، يرفعها أو يخفضها يلفّها بحركة دائرية أو الى الأمام أوالخلف، حسبما يقتضيه اللحن، لكن العصا في كل حال تبقى بيده والفرقة من خلفه تؤدي عزفها.))) من كتاب العراق ومحيطه – قلق التاريخ وعقدة القوة – ص 69 اصدار دار العارف – بيروت كانون ثاني 2010-
حين كتب هذا الكلام ،كان السعودية هي الأشد ضجيجاً في مراهناتها على العنف ودعم الارهاب والتكفير، ولم يكن بالمتصور انها ستلجأ الى سياسة وسلوك مغايرين ،وتتخلى عن مراهناتها السابقة ، لكن ان بدلت سياستها ،فهل تبدل اساليبها في الحكم ؟
لقد أظهر ذلك النوع من الأنظمة ،ومع قدراتها المالية الضخمة ،انه بارع في الإحساس برياح التطورات القادمة ، فبعد ان كان محاصراً بلحفاء يرفعون راية الديمقراطية ،ويضغطون لإحداث تحولات في تلك الانظمة (الراكدة) تسمح فيه بنوع من الحريات لشعوبها ، وقد عملت أمريكا على اقتلاع نظام ديمقراطي في واحد من البلدان العربية المحورية (العراق) ودعمت (ثورات) شعبية أطاحت بأنظمة دكتاتورية أخرى فيما سمي بالربيع العربي ، يومها بدأ ان السعودية باتت محاصرة وان نظامها القديم بات يعيش آخر ايامها ، لكنها اشترت وقتاً بدفع مبالغ طائلة للأمريكان – خاصة في ادارة ترامب – الذي هددها علناً – .
ودار دولاب الأحداث ،فتلاشت مفاعيل الربيع العربي ، في مصر استطاع السيسي الامساك بزمام الأمور ،وفي تونس أطيح بحركة النهضة وحلفائها ،وتولى الحكم رئيس ديمقراطي شكلاً دكتاتوري سلوكاً ، وفي سوريا صمد نظام الأسد وتجاوز مرحلة الاطاحة ، وفي تركيا ،أمسك اردوغان بالسلطة بمخالب حديدية ذات قفاز ديمقراطي ، أما ايران ،فهي ديمقراطية ممسوكة بيد مشرف عام ، يمنعها من التشظي او الانفلات .
التجربة العراقية ،هي الوحيدة التي صمدت ديمقراطيتها ولم تنجح كل محاولات تغييرها ، وبالتالي فليس من الصعب احتوائها وحصر تأثيراتها ضمن حدودها ،ومع الحملات الاعلامية وتأثير المال السعودي المتغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع على السواء ، لم تعد الديمقراطية العراقية تشكل خصماً .
التحولات في العالم – خاصة في الحرب الاوكرانية وماقبلها – تشير الى ان عصر الديمقراطيات بات يعاني ، حتى في دولها ذاتها ،واندلع ربيع اوربي جامح بدأ في فرنسا ،ومرشح للانتقال الى ديمقراطيات أخرى – بما فيها أمريكا ذاتها – فيما يتزعم بوتين والصين ،معسكراً قنن الديمقراطية على مفاهيم دكتاتورية وبشعار “الحكم لنا والعيش لكم “.
تلك التحولات بمجملها ، باتت تصب في الاناء السعودي ، لذا كانت تلك التحولات المتسارعة ، ليس نحو اصلاحات ديمقراطية ، بل بالمزيد من شدّ القبضة نحو مركزية صارمة ،مادام العالم يتجه اليها ،وبالتالي يشكل سياجاً يحمي نظام صمد بوجه تطورات اناشار الديمقراطية ومن ثم استطاع اعادة تعويم نفسه .