جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف القيادة الكارزمية Charismatic Leadership قراءة في شخصية القائد أبي مهدي المهندس/2

القيادة الكارزمية Charismatic Leadership قراءة في شخصية القائد أبي مهدي المهندس/2

حجم الخط

 

د.أمل الأسدي

إن مصطلح القيادة الكارزمية أطلقه “ماكس فيبر” ويعني القيادة الملهمة أو القيادة الجذابة، أو الموهوبة أو الآسرة ، التي تتمتع بمزايا خاصة واستثنائية، تمكنها من تغيير أوضاع الأمة، أو التأثير في محطيها ومعالجة أوضاعه(١) ومع أننا لانمضي بشكل متطابق مع هذا المصطلح ولاسيما ما يخص الصفات والمزايا التي يراها هذا الاتجاه بأنها ذاتية وليست مكتسبة؛ لأننا نراها تجمع بين الأمرين، فمن جهة هي ذاتية خاصة، ومن جهة أخری؛ هي مكتسبة نتيجةً للتربية والتدريب والمراس، مع أننا لانمضي معه تماما إلا أننا سنقدم قراءةً في شخصية القائد أبي مهدي المهندس وفق مفهوم القيادة الكارزمية.

أما إذا تحدثنا عن تجربة القيادة الميدانية الفعلية التي شاهدها العراقيون وعاشوها بكل تفاصيلها، فنجدها متجسدة في شخصية القائد أبي مهدي المهندس الذي اغتاله الأمريكان في 3/ 1/ 2020 في غارة جوية غادرة، بعد أن أثمرت قيادته المحكمة في تحقيق النصر وهزيمة التنظيم الإرهابي والمؤامرة الصهيو امريكية علی العراق، هذه الشخصية التي تخرجت من مدرسة الإمام الخميني القيادية إذ كان يقول: تعلمنا معادلة تقول: أنت داخل الحزب جندي وبين الناس قائد، وطبقناها فعلا، وعندما جاء الإمام الخميني تفاجأت بمعادلة ثانية وهي: نحن خدام للناس، نحن خدم… ويقول أحد العرفاء أن أعلی ذكر عند الإنسان وأعلی عمل هو خدمة الناس، فالنقطة المركزية في أن يقضي الشخص عمره في رضا الله سبحانه وتعالی؛ هو أن يخدم الناس… خدمة الناس والدفاع عنهم”(٢)

من هذا الوعي القيادي انطلق أبو مهدي المهندس ليصبح الأنموذج القيادي المتفرد في تأريخ العراق المعاصر، ولو دققنا في خطواته القيادية لوجدناها كالآتي:

١- الحضور الميداني: لا يكتفي القائد المهندس بالتخطيط والدعم والمتابعة؛ بل يحضر بنفسه في المعارك ويتقدم جنوده، ويحثهم ويشجعهم ويتحدث بلهجة المنتصر، وهذا نابع من تسليمٍ وإيمان وثبات يشخصه كل من يتعامل معه.

٢ـ للمهندس قدرة عجيبة علی تنظيم التشكيلات العسكرية وزراعتها وإن كانت الأرض لم تكن معدة للزراعة، وذلك عن طريق تغذية رجال المناطق بروح المقاومة أولا، وهذا ما حدث مع الأيزيدين والشبك، ثم أن المهندس كان يستشرف المستقبل، لذا سعی أن يكون لكل منطقة محررة حشد خاص بها، من أهلها وسكانها، وهذا مانزع الصبغة الطائفية عن الحشد وجعله تجربة فريدةً من نوعها.

٣ـ يتعامل المهندس مع الجميع تحت مسمی واحد وهو العراق، لذا خلق موازنة عجيبة في سلوكه القيادي، إذ لايفرق بين سني أو شيعي أو أيزيدي، وفي الوقت نفسه لم يتخل لحظةً عن هويته وعقيدته، وعن إعلانه أنه يعمل وفق القرآن الكريم وفكر أهل البيت (ع)

وبدا ذلك واضحا في خطاباته وتطبيقاته العملية بدءا من إعلان انطلاق المعارك حتی إعلان النصر.

٤ـ أدركت عقلية المهندس ضرورة العمل الفكري المصاحب للعمل الحربي الميداني، وقد أولی ذلك أهمية كبيرة وكان يتابع ذلك بنفسه سواء في الانبار أو الموصل أو غيرها، وقد ترك آثارا واضحة ومن ذلك مديرة مكافحة الإرهاب الفكري، وكذلك مجمع سيد الشهداء الثقافي في الموصل، الذي يضم مؤسسة البصائر للثقافة والتنمية.

٥ـ أدركت عقلية المهندس القيادية أن الاهتمام بعوائل الشهداء، من أهم الأمور التي تديم الزخم الوطني، وتربي الجيل الجديد من الأبناء علی حب الوطن والتضحية من أجله، لذا كان يهتم كثيرا بهذا الأمر، ولم يكن اهتمامه ماديا وحسب، بل كان يهتم بمتابعة المستوی التعليمي لأبناء الشهداء، وكذلك يهتم بالمصابين والمعاقين في الحرب، ويقدم لهم كل الوسائل الممكنة لمعالجتهم وتعويضهم.

٦ـ برزت في شخصية المهندس القيادية موازنة فريدة، وهي الموازنة بين حزمه وحسمه في الواقع الحربي الميداني، وإنسانيته المفرطة، ودمعته القريبة، وقلبه العطوف علی الأسر العراقية والنازحين والمحاصرين، وكان يتابع دقائق الأمور بنفسه، ويتألم من أجلهم، ويذرف الدموع عليهم، وهذا واضح ومسجل في مقاطع فيدوية كثيرة.

٧ـ التفت المهندس الی أهمية المحافظة علی طابع المناطق ومميزات البيئة، وخصائصها ، فلم يفرق بين كنيسة وجامع، وبين دير أو متحف، فهو يعمل تحت عن عنوان العراق.

٨ـ شخصت عقلية المهندس القيادية ضرورة الحفاظ علی المحاصيل الزراعية من الاستهداف الدا عشي عبر الحرائق وإتلاف المحاصيل، لهذا اهتم بمزارع خانقين وزودهم بكل الوسائل الحديثة للرصد والمتابعة والحماية.

٩ـ كان المهندس حريصا علی خلق تواشج متناغم ومتماسك بين الحشد والجيش وجهاز مكافحة الإهاب، وكأنه قد استشرف المستقبل، وشخص ضرورة خلق هذا الترابط، لذا حرص علی دعم الجيش والمحافظة علی صورته، فيخرج بنفسه أحيانا لتوديع قادة الجيش أو استقبالهم.

١٠ـ من سمات شخصية المهندس القيادية أنه ترابي الهوية والسلوك، لذا كان بعيدا عن الكاميرا، يعمل أكثر مما يتكلم، يعد وينفذ، كان متواضعا، ناكرا لذاته، سمح الوجه، كانت عقليته منظمة جدا، تهتم بالتفاصيل الدقيقة كما تهتم بالقضايا الكبيرة.

١١ـ كانت شخصية المهندس القيادية لاتنسی الدور التربوي في خطابها وعملها، فتجده يبث في الجنود الفكر والإيمان ويحثهم علی الخلق المحمدي الرفيع الذي يحافظ علی الأمانة، ويحترم الكبير والصغير، ويقدم الحفاظ علی حياة الناس علی أي شيء آخر.

١٢ـ لأبي مهدي قدرة فريدة علی تذويب الفجوات وتحجيم المسافات، انعكست هذه القدرة علی الحشد الشعبي وتشكيلاته، فلا يعترف بالحواجز العرقية أو القومية أو الطائفية، وفرادة قدرته متأتية من إمكانية تجسيده ذلك علی أرض الواقع.

١٣ـ شغلت الأم العراقية والمرأة العراقية حيزا كبيرا من عقلية المهندس القيادية، لذا بذل جهودا جبارة في حماية الايزيديات وتحريرهن، ومتابعة احتياجات النازحين، وهذا ما جعل له حضورا طاغيا لدی الناس.

كانت هذه أبرز الخصائص القيادية في شخصية أبي مهدي المهندس، ولعل أفضل ما أختم به هو ما قاله الشيخ مراد شيخ كالو(مستشار هيئة الحشد الشعبي لشؤون الأيزيدين) إذ قال:

“إذا زار أبو مهدي الناس، فيكون حالهم كالذي كان مريضا وعلی فراش الموت، فترد الروح إليه ويرجع الدم إلی وجهه… لهذا تسأل المرأة العجوز: كيف حالك؟

فتقول: مادام ابو مهدي موجود احنا بعد ما نخاف!

تسأل الطفل، يرد عليك الرد نفسه، تسأل الرجل العجوز، يرد عليك الرد نفسه!

كان أبو مهدي يمثل للأيزيدية الأب والأخ والمرجع والسياسي والحزب والكتلة؛ لذا نحن فقدنا كل شيء بفقدان أبي مهدي”(٣).

لقد ظن الغرب الليبرالي أنه قد سدد رميةً قاتلة للفكر القيادي في العراق والمنطقة حين اغتال القائدين العظيمين، ولكنهم لم يلتفتوا إلی أن هذين الشهيدين قد بذرا وزرعا وسيأتي يوم الحصاد عاجلا أم آجلا!


التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال