إنتصار الماهود ||
قبل أن أكتب عن شهيدنا اليوم، قرأت وقرأت وحاولت أن أختصر لكم سيرته العطرة، كيلا يصيبكم التعب من القراءة، فسجل شهيدنا اليوم مليء بالبطولات والتضحية والشجاعة والذكاء، هو بطل من نوع فريد ورجل لم يخلق لمثل هذا الزمان.
محمد نعيم طاهر الخاقاني إبن الهور، إبن الچبايش الذي ولد في ذي قار للعام 1983، ولد ونشأ وتربى على يد أب وأم ملتزمين دينيا، أسرة عرفت بنضالها ضد البعث الكافر وجلاوزته، في طفولته تعرض والده الحاج نعيم للكثير من المضايقات والترهيب، من أزلام البعث حتى توفاه الله، ولأن والدته خشيت عليه وعلى أخواته من بطش الجلاوزة، أستقرت بهم في محافظة النجف الأشرف، لائذين بحامي الدين وسيد الموحدين أبا الحسن والحسين، نشأ بشبابه وأكمل دراسته هناك وعمل بمهنة التصوير التي أبدع فيها، وكانت سببا فيما بعد لإنضمامه الى المقاومة الإسلامية، فكان أول عمل له كمصور قرب مرقد أبا الايتام علي عليه السلام ثم إنتقل الى مسجد الكوفة المعظم، ليعمل كمصور هناك أيضا.
كان من المداومين على صلاة الجمعة، ومن المخلصين لخط الشهيد الصدر، إنضم الى صفوف المقاومة عام 2004، لطرد المحتل وكان عمله أولا كمصور للعمليات النوعية الجهادية، التي يقوم بها أبناء المقاومة، شارك بإنتفاضة النجف الأولى والثانية ودافع عن مرقد الإمام علي عليه السلام ضد دنس المحتل، تولى مسؤولية الإعلام الحربي للمجاميع الخاصة، والتي سميت لاحقا عصائب أهل الحق من عام 2006/2007، ثم أصبح مسؤولا للهندسة العسكرية للمقاومة في النجف الأشرف، ثم المنطقة الوسطى عام 2008.
كان مسؤولا عن تنفيذ الكثير من العمليات النوعية ضد المحتل، وكان بارعا في نصب و تجميع العبوات التي إستهدفته، ولم تفشل له عملية أبدا كما كان يصور بنفسه عملياته، ثم ينشرها ليرى الناس ما الذي يفعله أبناء الصدر المقاومين، أثبت جدارته خلال تولي مسؤولية الهندسة العسكرية للعصائب، وأبدع في إختيار وإبتكار أساليب زراعة وتفكيك العبوات بمختلف صناعتها، وطرقها ووضع الخطط والدراسات والحلول المناسبة لمعالجة أي عبوة من أي نوع، وكان لا يبخل بتدريب أي عضو من المجاهدين، لأنه كان يرى في الجميع قادة ومن أجل أن يأمنوا إستهداف العدو لهم.
تم تكريمه أكثر من مرة، كان آخرها من قبل سماحة الأمين قيس الخزعلي، لبراعته في مجال الهندسة العسكرية عام 2012 بدرع الإنتصار على الإحتلال.
كانت له صفحة مشرقة ومشرفة في الدفاع عن مرقد مولاتي الحوراء عليها السلام، وتطوع في صفوف المجاهدين بعيدا عن أهله، رغم أنهم لم يملكوا معينا غيره وكان يصبر والدته بقوله، ” إن لنا في العباس عليه السلام أسوة وبغيرته وكذلك نحن، ولن نسمح لأي كان أن يعتدي على حرمة وقدسية مقامها السامي”، والله إنكم إخوتها وسندها وأبليتم البلاء الحسن في الدفاع عنها.
له مواقف في سوريا كبيرة وعظيمة نذكر منها، أن هنالك طريق حيوي كان طوله 2 كم لكنه كان ملغم بأخطر انواع المففخات المختلفة، والتي لم يجرؤ أحد على تفكيكها فما كان من شهيدنا إلا ان ينبري للتطوع و تفكيكها، هو وشخص واحد فقط ويطهر ذلك الطريق الحيوي أمام المجاهدين، كما تحدث لنا أحد الأخوة المجاهدين من فصيل آخر، أنه في أحد المرات تمت محاصرتهم في سوريا، داخل منزل مفخخ إنفجرت قسم من عبواته على بعضهم فإرتقى شهيدا، وبقى الآخرون محاصرين، فإستطاع الشهيد الخاقاني تلبية نداء الإستغاثة، لأنه كان الأقرب لهم ورغم خطورة الموقف وصعوبته، إلا أن لا شي يصعب على شهيدنا بهدؤه وصبره وذكائه، إستطاع تفكيك العبوات داخل المنزل، وإنقاذ من تبقى من إخوته المجاهدين، هو لم يترك خلفه جريحا، ولم يتأخر عن قتال وكان دوما في المقدمة، من يشحذ الهمم ويقوي المجاهدين بشجاعته المعهوده وصبره وهدوءه.
وكانت له صولة أخرى من صولات البطولة في بلده، حين هبت عاصفة الشر داعش ورغم قلق الأم وخوفها على وحيدها، الإ أنه لم يستطع أن يدير ظهره للجهاد وكان يقول لها، إذا لم أذهب أنا وغيري من يحميكم؟!.
لم تجلب لنا ساحات التظاهر وخيم الإعتصام والذل، سوى الشر والظلام متمثلا بداعش، خدعوا السذج وصغار العقول بحجة الحقوق، أكذوبة كبرى جلبت للبلاد العار و ويلات الارهاب.
آنذاك وفي مطلع العام 2014 وقبل إنطلاق الفتوى بشهور، تقدمت عصائب أهل الحق الى الحكومة العراقية بطلب رسمي، للإنضمام والمساهمة بتشكيلاتها لمساندة القوات الأمنية، لتكون داعما له تحت إسم، (سرايا غيارى العراق)، والذي ضم فصائل مجاهدة أخرى، وهكذا بدأت تلك الصفحة لطرد غرابيب الشر، قبل إنطلاق الفتوى المباركة، من سماحة الوالد والقائد السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله، فإنخرطت تلك القوات وبشكل أوسع بألوية ثلاث لقتال داعش، وكان للشهيد تواجد مهم وقيادة للمجاميع الخاصة للهندسة العسكرية، في مناطق مثل الأنبار وجرف النصر وأطراف بغداد، وكان عليه مسؤوليات أخرى إضافة للهندسة العسكرية وتفكيك ومعالجة العبوات، هو التدريب للكوادر وتهيئة المجاهدين ومتابعتهم، خاصة في مناطق حزام بغداد وصولا الى أبو غريب والفلوجة، حيث كان لديه تنسيق مباشر مع قيادة العمليات المشتركة والإستخبارات العسكرية،
إستطاع تطوير أساليب متقدمة من تفكيك الكثير من العبوات، في حزام بغداد وإبطال مفعول متفجرات الدواعش، ولأنه أذاقهم ويلات الهزيمة، بدأت غربان الشر تترصد به وتجمع عنه المعلومات وتتابع تحركاته، كان آخر يوم يشاهد عائلته ويودع والدته وزوجته في منتصف آيار للعام 2014، وكان في مهمة جهادية خطرة، كمن له الغادرون أثناء عودته من عمليات الكرمة في الأنبار، وبالتحديد في شارع القناة في العاصمة بغداد ليغتالوه بست رصاصات في رأسه وجسده الطاهر، في يوم الأحد الأول من حزيران للعام 2014، ليفوز هو ويلتحق بركب الحسين عليه السلام وأصحابه الشهداء.
من صفاته أنه كان كتوما بعمله الجهادي، لم يعرف عنه سوى أمه وزوجته والمقربين منه جدا، كان مكسبا للمقاومة ولعصائب أهل الحق، لما إستطاع إنجازه من عمليات نوعية ضد المحتل، كان ناكرا لذاته ملتزما بصلاته ودينه، مواضبا على زيارة الأئمة عليهم السلام، ومن خدام الإمام الحسين عليه السلام، كان مشاركا بكثير من أعمال البر والخير في محافظة النجف الأشرف، وهذا ما علمنا به، بعد وفاته دخل دورة تمريضية طبية فقط لتعلم أفضل الطرق لرعاية والدته المريضة، لان كان حريصا على صحتها.
خبر إستشهاده كان صدمة لمن يعرفه في النجف الاشرف، فكيف لمن يعرفونه من شخص هاديء متواضع يعمل كمصور، أن يكون قياديا وشخصا مهما في فصيل جهادي، وله عمليات أوجعت المحتل، لم يكن أحد ليتوقع أن يكون شهيدنا هكذا.
فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا.