جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

 

د. أمل الأسدي ||


هذا الباب أمامك، والدخول مسموح، افتحه وعد منه إلی خمسينيات القرن الماضي، تجول في الكاظمية أو الكرادة، و اسمع الحكايات الراكضة بسيقانها العطرية، ولا تستغرب من النسيم البارد في فصل الصيف اللاهب، فلم يكن الجو مثل اليوم ، لا عدد السكان نفسه، ولا وجود للمولدات، ولا سيارات بهذا العدد الجنوني، ولاحروب البعث ولاحروب الأمريكان وقصفهم ولا مفخخات… لذا كان الجو مختلفا، وكانت العوائل تنام في السطح، يكنسونه عصرا ويغسلونه أو يرشونه بالماء، ويفرشون الفراش.

ولم تكن الخضروات والفواكه الصيفية حاضرة في الشتاء، كان الأمهات يتحملن مسؤولية تجهيز” المونة” لفصل الشتاء، يوفرن كل شيء، ويصنعن كل شيء، فالأم العراقية تحب أسرتها كثيرا، وتحب مطبخها وتعتني به، وأغلبهن يفكرن التفكير نفسه، وينتهجن النهج نفسه، فلا توجد وسائل تواصل اجتماعي تؤثر عليهن، ولابلوكرات ولافاشينستات ولاناشطات… ولا إعلانات مطاعم وتسوق، ولايوميات المشاهير!

فالناس يعيشون حياةً صافية، ينامون مبكرا، ويستيقظون بشغف لبدء يوم جديد، يجتمعون صباحا مع رائحة ” الچاي المهيل المتخدر علی ام الفتل بالصيف وعلی الفحم بالشتا” ويجتمعون مساءً” للتعلولة” حتی قالوا” من عشاك علی ضواك” فمع إشعال المصابيح ولمعان النجوم تبدأ حكايات السمر!

نعم.. هذا باب مطبخ الجدة”خجة المعطوش” والآخر باب الجدة” مريم السيد مهدي الحصري” والآخر مطبخ الجدة الملا ” زكية رشيد ابو النشا الخفاجي” فانظروا إلی هذا التنظيم والنشاط والدقة، وتابعوا هذه المحبة والنفس الكريمة، انظروا إلی الجدة وهي تقطع” الطماطة” شرائح ثم تنشرها في الشمس، وبعد أن تجف تطحنها بيدها وتضعها في أكياس من الخام الأبيض، حتی تستعملها في الشتاء لطهو” البامية” التي لاتصح بدون الطماطم.

وشاهد الجدة وهي تعصر الطماطم وتضعها في السطح حتی تتحول الی معجون، ثم تفرغها في جرار الفخار الخضراء.

وتابع الجدة الأخری وهي تقسم التمر الهندي الی وجبات صغير، ثم تضعه في السطح حتی يجف، كي يستعملوه لإضافة الطعم الحامض للمرق وأولها البامية،

وتجلس الجدة “تگلم” البامية، ثم تصنع منها قلائد وتعلقها حتی تجف، وفي كل طبخة يأخذون قلادة أو اثنتين حسب الحاجة، ويغلونها مع قشور البرتقال، ثم يصفّونها ليتمموا القدر، أما الثوم فلابد من وضع الطين علی رأسه حتی لا يتلف مع وربطه وتعليقه.

ولو نظرت جيدا لوجدت الجدة تجمع بذور”الرگي” وبذور الاسكلة”اليقطين” وتجففها وتخزنها، فإذا قرب موعد رأس السنة في الربيع، قامت بنقعه وتمليحه وقليه.

وهنا تجلس الجدة لغسل”الشبنت” وفرمه ونشره ليجف، وكذلك تقوم” بتفليس الباگلا الخشنة وجهين”وتجففها حتی تطبخ ” التمن باگلا” في أي وقت تريده.

أما المشمش فيتم تجفيفه ليصنعوا منه عصيرا متی ما احتاجوا إليه.

أما الجدة العلوية مريم فتجدها تقطع التفاح الی مكعبات وتضعه في جرة، وتسكب عليه الماء، مع “سبع عروقات” مع السكر، مع ماء الورد، وتغطي فوهة الجرة بالململ، ثم تصعدها معها الی السطح، وفي الصباح تجد الجرة باردة، وكأنها في الثلاجة، ويصبح التفاح وعصيره جاهزا للأكل والشرب.

وبينما تعجن وتخبز علی “برد الهوا” كما يقولون، تقشر ابنتها الباذنجان، وتقطعه حد القمع، ثم تعلقه علی الحبل كي يجف ويكون جاهزا للتخزين، ففي الشتاء تنبعث رائحة القدور الشهية من داخل المنازل، السبيناغ والتمن باگلا والبيتنجان اليابس والبامية، أما الحامض شلغم فله حكاية خاصة مع كبته المميزة!

كل هذا ومن دون تصوير وبث مباشر، من دون تحريض من المنظمات، ومن دون حث علی التعامل المادي بين أفراد الأسرة، فالأم تعمل في منزلها بمحبة، فإذا سألها أحد عن حالها، قالت: الحمد لله.. نعمة،

واحد شيريد؟ من عافاك غناك!


التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال