جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف حيدر الفتى، يبحث عن قدوة..!

حيدر الفتى، يبحث عن قدوة..!

حجم الخط

 

كوثر العزاوي ||

عند حضوري في إحدى الندوات التربوية، دار حديثًا بيني وبين إحدى الاخوات المربيّات الصالحات،

ومن بين ماورد على لسانها:

سألني ولدي مرة، أمي مَن أختار ليكون قدوة لي؟

قلت له: اختر مَن هو أقرب إلى نفسك وأكثر تأثرًا به ياولدي؟

قال لي: أماه أنا أحب الشهداء كثيرًا فهل يصحّ أن اتخذ منهم قدوة وهم أموات؟ قلت له:

ولدي الحبيب: ولِمَ اخترتَ الشهداء، ليكونوا لك قدوة؟!!

قالَ لي: قرأت في منشور أنّ في وصايا الشهداء أسرار ودروس، وقد قرأت وصايا شهداء كثيرين إيرانيين وعراقيين ولبنانيين، وصديقي أعطاني كتاب بعنوان “سلام على إبراهيم” وفعلًا تعلمتُ من كل شهيد شيء مختلف، وحفظتُ عنهم دروسًا في الأخلاق والعفة والتعامل مع الناس، وكيف أكون شخصًا واحدًا، وتعلمت من شهيد آخر أن أستغني عن فاضل الدنيا في كل شيء، في المأكل والملبس وحاجات النفس المادية، يعني ياأمي أن ألتزم القناعة والزهد حتى لاأتعلق بشهوات الدنيا كي أصبح شهيدًا وهذا يعجبني!

الأم تنصِت بانبهار، والإبن يواصل بعفوية، ومن هنا ياأمي بقيت أبحث عن هذه الصفات بكل رجل أصادفه من أقاربنا وأصدقائنا وحتى أساتذتي في المدرسة وفي الدورات الصيفية، وكنت أركز كثيرا على أصدقاء أبي رحمه الله، لكني لم أجد واحدًا يشبه الشهداء، فقلتُ في نفسي ياأمي، إن الشهداء ليسوا أموات أليس كذلك؟ فقرّرت أن اجعل منهم قدوة، فما رأيك أمي؟

الأم: حقًا صُعِقت! ابني يريد أن يصبح شهيدا وهو مازال فتى في عمر الورد!، لملمتُ أفكاري وحاولتُ أن أعزّز قناعتهُ فقد رأيتُ فيه أملي وقناعتي ايضًا ثم قلت:

أحسنت نور عيني، لعلّي أشاطرك الرأي، لعلمي أنّنا في ظاهر الأمر نحن أحياء وهم أموات، أما الحقيقة ياولدي فإننا نعيش حياة الموت، وهم يعيشون حياة الطهر والعز، نحن نمارس العيش المزيف، نركض خلف قوس قزح، وننبهر بظواهر الشخوص، نلهو، نلعب، نؤذي بعضنا، نضحك ونبكي، نحمل الهمّ على الأرزاق، نولول على صفقاتنا البائسة التي لم تربح، نتشاجر على حطام الدنيا، نتفاخر بالكثرة، نجري خلف ألف وَهْمٍ ووَهْم ، تداهمنا الرغبة واللذة والانشغال في توافه الأمور، نزهو بأعداد المعجبين والمتابعين، نعيش بضع سنين أخرى بحلوها ومرّها، وفي النهاية يأتي الموت بانتهاء الأجل!، نعم بنيّ إنها الحقيقة

فمن العقل أن نحيا كالشهداء لنموت مثلهم، فمِنَ اليوم، أشدّ على يدك وانصحك أن تجعل من حياة الشهيد وسيرته أسوة لك، فأنه الأصدق حينما آثرَ الموت في سبيل الله على كل لذة وجمال في الدنيا، ولعل الكثير من الشهداء لم يتجاوز العشرين عامًا من العمر فضلًا عمن هم في أعمار الكبار، ولا تنس يابنيّ، ثمة رجال من ذوي الصلاح يعيشون معنا هاجس الشهادة، وهم في طريق الطهر والاستقامة، يحملون الأرواح على الأكف، ويقبضون على دينهم كالجمر في الأيدي، فلتكُن انتقائيًا في كل شيء، فالانتقاء فنّ وموهبة! واخترْ بعنايةٍ ما يستحقُ أن يكون رفيقًا للطريق، فلا انت ولانحن مَن يملك حدود العمر، فالأعمار بيد الله “عزوجل” وقلبك حرم الله فاعرف مَن تُسكِنه، وإياك واستنزاف طاقاتك ووقتك في أماكن أو دروب أو صداقات ليست لك ولا تُشبهُك، ولا تُعبّر عن قناعاتك ولا في خانة اهتماماتك! فإن عرفتَ قدر نفسك وقيمة عمرك سيعزّ عليك أن تمضي بهما في سُبلٍ لا تنتمي إليها، عندئذ تعرف قيمة الشهادة وماذا يعني أنك تجعل الشهيد رفيقًا وقدوة لك قبل أن تستشهد فنحن والناس أيضا بحاجة إلى أمثالكم.

-انتهى الحوار-

وانتهى وقت الندوة وسرحتُ في فكري مع مامضى من سنيّ عمري، وتمثّلَ بين ناظري شريط تجاربي، همستُ لنفسي وأنا أمشي الهوينا في شارع نيسميّ لوحدي..ترى!! مالذي دعا مثل هذا الشاب في مقتبل عمر الورد لايرى قدوته في أصناف الرجال الذين تكتظ بهم أوساط المجتمع المختلفة؟!! فالشهداء رجال ومَن نراهم في حياتنا ضمن دائرة المجتمع الواسع هم رجال أيضا، وكلهم صالحون وقد يكونوا مصلحون، عذرا ليس من باب المقارنة إنما على نحو الفرز وأخذ العبرة والدرس لنعلّم ابناءنا اختيار القدوة والأسوة، فلا غرو أن نوجّه أبناءنا اليوم صوب ساحة الشهداء لأنّ التجربة والواقع أثبتَ أن الرجال الرجال هم الشهداء بشخصيتهم الواحدة ووجههم الواحد، عاشوا ورحلوا وهم واحد وتركوا خلفهم خير أثرٍ نستطيع أن نسمّيه المثال والمصداق لقوله “عزوجل”:

{منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} الاحزاب ٢٣

نعم رجال، ولم يقل أناس أو غير ذلك، ومن هنا عن الرجال اتكلم بعد دراسة واقعية لنستنتج: أنّ كثيرين تكلّموا بتفاخر عن الرجولة، ولكن قليلون من تصرّفوا وعملوا كرجال ليبلغوا مرتبة “الرجال” الذين عاشوا وماتوا رجال وأعني”الشهداء”

{وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا..} الأنعام ٩

والشهيد معنىً كبير، وأعلى مقامًا من المَلَك! وسِرُّ الشهيد هو سرُّ الإسلام المحمديّ الأصيل صانع الشهداء والرجال الرجال! حيث يربّي الإسلام الإنسان على معانٍ كبيرة حتى يدرك حياة الشهداء وآثارهم وتأمّلِ ماوراء سطور وصاياهم! فلم نجد لحبّ الدنيا والذات أثرًا عندهم!! بل لم يكن أحدهم محصورًا ضمن قالب محدود، إنما وجدناه في دائرة العامّة لم يأخذ شيئًا لنفسه، فإن كان متزوجًا فقد اكتفى بحياة لا فَضلةَ فيها، بل طالما تجاوز الكثير من المباحات، تراه في البيت هو ذاته في الخارج من حيث الخُلق والدين والحنوّ والحرص والتضحية والمبادرة! لقد تتبّع “حيدر الفتى” صفات الرجال غير الشهداء فلم يجد سمات الرجال الشهداء ولم يجد زهدهم ولاصدقهم ولا تفردهم ولا تجردهم!! فاصطفى صحبة الشهداء،

وتلك حَقيقة عرفها “حيدر” دون أن نخبرهُ نحن بأنّ الزمان رحلَ بنَا وبقيَ الشُّهداء، فكلما غُصنا أكثر، تضاءل نوع الرجال في أوساطنا أكثر، لما للإزدواجية من حضور أكثر، عذرًا اخوتي الرجال، كونوا شهداء قبل ان تستشهدوا لإجل حيدر وأمثاله، اتمنى عليكم سبر غور الشهداء فعلًا لا قولًا، وعملًا لا أمانيّ، كي نجد في أحدكم عزاءنا، فنحن اليوم بحاجة إلى الرجال كما المصداق في الآيات المباركات، فقد اتعبتنا الشعارات، وبتنا نستحي من مواجهة أولادنا وبنات الشهداء، فعند الشدائد تعرف معادن الرجال!!

إذ ليس كثرة الكلام ولا ماتخطّه الأقلام معيار لتكونوا موضع القدوة والأفتخار، كونوا فقط واحدًا من واحدٍ، أفعالكم مواقفكم في الحياة دون ازدواجية ولاأعداد، تحرّكوا بيننا بموازين دقيقة عالية المعاني سامية الأهداف، ضمن دائرة الحق والعدل والعفة مع الناس كافة بعيدًا عن الذات.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال