الشيخ حسن عطوان ||
، قال الصدوق :
قال الصادق عليه السلام لبعض أصحابه :
( تأتون قبر أبي عبد الله صلوات الله عليه ؟ فقال له : نعم ، قال : تتخذون لذلك سفرة ( 1 ) ؟ قال : نعم ، قال :
أما لو أتيتم قبور آبائكم وأمهاتكم لم تفعلوا ذلك ، قال : قلت : فأي شيء نأكل ؟ قال : الخبز باللبن ) ( 2 ) .
وقال ايضاً : وفي خبر آخر قال الصادق عليه السلام :
( بلغني أنَّ قوماً إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والاخبصة ( 3 ) وأشباهه ، لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا ) ( 4 ) .
وقال صاحب ( كامل الزيارات ) :
حدثني أبي رحمه الله وعلي بن الحسين [ الصدوق الأب ] وجماعة مشايخي رحمهم الله ، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :
( بلغني أنَّ قوماً إذا زاروا الحسين ( عليه السلام ) حملوا معهم السُّفر ، فيها الحلاوة والاخبصة وأشباهها ، ولو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا ) ( 5 ) .
وقال ايضاً : حدثني محمد بن أحمد بن الحسين ، قال : حدثني الحسن بن علي بن مهزيار ، عن أبيه ، عن الحسين بن سعيد ، عن زرعة بن محمد الحضرمي ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :
( تزورون خير من أنْ لا تزورون ولا تزورون خير من أنْ تزوروا ( 6 ) ، قال : قلت : قطعت ظهري ، قال :
تالله انَّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً ، وتأتونه أنتم بالسفر ، كلا حتى تأتونه شعثاً غبراً ) ( 7 ) .
🖊️ أقول : هذه الروايات الأربع في سندها كلام ، أمّا الثلاث الأولى فهي مرسلة ، وأمّا الرواية الرابعة فالكلام فيها على الأقل من جهة راويها المباشر المفضل بن عمر ، الذي اختلف فيه التوثيق والتضعيف ، والراجح ضعفه .
ولكن جملة من الفقهاء يروَن حجية مرسلات الصدوق في كتابه ( مَن لا يحضره الفقيه ) ، لا سيّما اذا جزم بنسبة الرواية الى المعصوم ، كما هو الحال في موردنا ، فكلتا الروايتين في الفقيه ، وتعبيره فيهما : ب ( قال الصادق ) ، ظاهر في جزمه بصدورهما عنه عليه السلام .وبناءً على هذا المبنى فكلتا الروايتين الأولى والثانية حجة .
وهكذا مَن يبني على ( قاعدة التسامح في أدلة السُنن ) ، فيمكنه أنْ يفتي بكراهة الأكل بنحو الترفيه في طريق تلك الزيارة المباركة .
أمّا مَن لا يبني على كلا المبنيين كما هو الراجح ، فهذه الروايات ضعيفة السند عنده ، ولا تصلح للإفتاء ولو بالكراهة فضلاً عن الحرمة .ولكن ، هذه الروايات توافق جداً الروح العامة للتشريع ، خصوصاً حينما يكون الموقف موقف حزن ومواساة .
والأمر أوضح في حالات التبذير والإسراف المنهي عنهما في القرآن الكريم والسُّنة الشريفة ، بل قد يصل الأمر في بعض الحالات الى الحرمة .
إلَا أنْ يُقال : إنَّ مظاهر الكرم والولاء التي أظهرها ويظهرها الشعب الشيعي في العراق في زيارة الأربعين ، صار موضع فخر وإعتزاز وإندكاك وتلاحم لكل شيعة العالم ، وهذا بنفسه عنوان مقدس يستحق التغاضي عن أي عنوان آخر .
وهو أمر برهن على أنَّ الإمام حينما اختار هذه البقعة من الأرض ، فهو يعرف أنَّ أهلها هم الأقدر على تحمل ضرائب الولاء العظيم .
والله العالم ..
وهو وحده سبحانه من وراء القصد .
*****
( 1 ) السفرة : مائدة الطعام .
( 2 ) الصدوق ، محمد بن علي بن الحسين ، ( ت : 381 هج ) ، مَن لا يحضره الفقيه ، ج 2 ، ص 281 ، باب ( السفر الذي يُكّرَه فيه اتخاذ السفرة ) ، الحديث ( 2452 ) ، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة .
( 3 ) الجداء : مفردها الجَدي :
وهو ولد الماعز بعد فطامه .
والاخبصة : حلاوة من التمر .
( 4 ) الصدوق ، مَن لا يحضره الفقيه ، مصدر سابق ، الحديث ( 2453 ) .
( 5 ) ابن قولويه ، جعفر بن محمد ، ( ت : 368 هج ) ، كامل الزيارات ، ص 248 – 249 ) ، الباب ( 47 ) ، باب :
( ما يُكّره اتخاذه لزيارة الحسين … ) ، الحديث ( 1 ) ، مؤسسة النشر الإسلامي .
( 6 ) في المصدر : تزورون .
( 7 ) المصدر نفسه ، ص 250 .