جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الإلتهاء أو التلهي بـ (الهامش) وغياب او تغييب الوعي عن (المتن)

الإلتهاء أو التلهي بـ (الهامش) وغياب او تغييب الوعي عن (المتن)

حجم الخط

 

د. نعمه العبادي ||


تطورت قوى التأثير في المجتمعات بشكل مضطرد مع تطور ادوات التواصل وزيادة فرص المشاركة وتنوع الاتجاهات الثقافية في المجتمعات، ومع ان القوى الأساسية المؤثرة وفي مقدمتها (الدين) ظلت على حالها من التأثير إلا انها لم تسلم من التغيرات في مضمونها واشكالها بل وحتى اهدافها.

اتاح التغيير في عراق ما بعد 2003 فرصا للقول والفعل (مهما كان شكله)، لم يتاح مثلها في تجربة اخرى، ولا اقصد بذلك مدحا لشكل ومخرجات هذا التغيير، لكن الكيفية والوضع والصورة التي أتى بها وعليها، انتجت هذا الفضاء اللامتناهي زمانا ومكانا، بحيث ساغ لكل احد مهما كان، ان يتواجد فيه، بالصورة والكيفية التي يريد، وقد انقلبت هذه الفوضى في ساحات كثيرة الى صراعات تضاد، عمل كل منها على تهميش او محاصرة ضده.

في كل يوم، معركة لفظية او مسرحية صورية او مجادلة سفسطائية او حلبة استعراض نرجسية او مدعيات ليس ورائها من حقيقة او خزعبلات لا ترقى الى تخاريف العجائز، وتمنطق بقضايا على اساس انها سياسية وهي لا تعدو كونها تنفيس من نوم على اثر وجبة بقوليات دسمة، وهكذا صالونات ما يسمى بالشعر وجلسات ما يدعى بالثقافة والادب، ثم لمات النسوان وجمعات الزعاطيط، وبرامج تلفزيونية فحطانة وتجمعات ومجموعات الكترونية كأنها اسواق بيع العتيق وحاجة بربع، وهكذا الحال في صراخ الجدال العام في الواقع، وكل هذا غائب كل الغياب، بل متلهي ومنصرف وغير مدرك لاستحقاقات واضحة وصريحة وفي مقدمتها:

– التحولات العميقة في البناء الاجتماعي، وما يتبع ذلك من منعكسات عميقة على الدولة والمجتمع.

– مصفوفات التحديات الفكرية والنفسية والاجتماعية التي تفرض اسئلة صعبة ومحيرة، يكاد المجتمع ان يقف عاجزا امامها، وهي تدفع به الى الاتجاهات التي ترغب في تشكيله على وفقها.

– الاوضاع والاحوال التي غدى عليها الصبية والشباب من الضياع والتيه، والتورط في مصائب وبلايا، تكاد تبتلعهم كليا في دوامتها.

– الاسئلة الجادة التي تدور في بعض محطات الوعي، بل وحتى على لسان العامة، والمتعلقة بالموقف من الوطن والآخر والتاريخ والمستقبل والقضايا الحساسة، والحياة وهدفها والدين وموقعه… الخ.

– مستحقات الوطن الحقيقية التي ترتبط بالنظام السياسي العادل والحكم الرشيد والادارة الناجحة وتثوير الطاقات وحماية السيادة وتعزيز الاحساس بالوطنية والانتماء.

– مشكلات العيش والتعايش ومعرفة الآخر ومشكلة الذاكرة والوصول الى مناطق آمنة تحفظ الخصوصيات وتتيح التواجد للمختلفين وفق صيغة مقبولة.

– المهددات والاخطار العظيمة الداخلية والخارجية التي تكاد تفتك بوجود الدولة والمجتمع، والتواطء معها، والتخادم من اجلها من قبل الكثير من الجهات والاطراف.

– العبث والصراعات اللفظية واختلاق المشاكل الهامشية التي تبدد طاقة المجتمع وتصرفه عن اوجاعه وآلامه الحقيقية.

– الفساد وحواضنه الفكرية والاخلاقية والسياسية، والصورة التي وصل إليها، والحالة التي بلغها من التحدي والاستفحال.

– خراب الذوق وتشوه الجمال وتحريف الحب، وصعود نجم التفاهة والسطحية والانحراف.

-التحديات الجوهرية التي تطرح في ساحة الدين والسياسة على مستوي الفكر والممارسة.

– القبيلة وما لحق بها وأعرافها وسلوكها واوضاعها من تغيرات عميقة تكاد تخرجها عن كل ما هو اصيل ومنتج فيها.

– اسئلة الاطفال الجادة واشكالاتهم العصية، وتنامي وعيهم المتسارع.

– الفقر والحاجة وتوابعهما ولوازمهما.

– موجة الحزن العميق التي تلف اوساط الكثير من المجتمع والتي تلقي بظلالها على فعاليات حياتهم كافة.

ان هذه المستحقات يتولد منها مئات المستحقات الاخرى، والتي تفرض واقعها على حياتنا، وهي الأولى والاهم من كل هذا الغثاء الذي يشغل الهامش ويتعيش على الضجيج، ويجر المجتمع الى دوامة لا نهاية لها.

انني افترض بين يديكم صورة قد لا تروق للكثيرين، ولكن يمكنكم تخيلها معي بموضوعية، فلنفترض (وهو ما اتمناه): ان اختفت واضمحلت كل هذه الحلقات التي تتلهى بالهامش، فلا مجموعات نقاشية ولا برامج واعلام يتعيش على الطشة والفضائح ولا منشورات ولا منتديات ولا هذا الشعر الحلزوني والفن الشلغموني والادب الخريطي والتسفيط الفارغ، وهكذا اصبح الوجود فارغا من كل هذا، فما هي النتيجة، هل تزداد استحقاقات الوطن التي عددتها تأزما وتصبح في حال أسوء؟؟؟

الجواب وبكل ثقة كلا وألف كلا، فهي لم تلامس هذه القضايا قيد انملة، بل كانت تشوش وتؤثر على هذه الاستحقاقات، الامر الذي يعني، ان كل هذا الضجيج زبد وغثاء وصراخ تافه.

اذن لا خيار ثالث بين يدي هذا الهامش الضار، إما ان تستفيق هذه المسرحيات والحلبات والتفاهات والسذاجات من نومها، وتتوجه الى خيارات الوطن والمجتمع الحقيقية او ان تغيب كليا من الوجود، فتريح وتستريح، فلا نحتاج الى استعراض عضلات شعرية ودقلات ادبية ولا إلى هذا الزعيق والغثاء الذي لوث وافسد كل شيء.


تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال