الشيخ حسن عطوان ||
🖋 يقول عزَّ من قائل في كتابه المجيد :
( وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) [ النساء : 83 ] .
🖋 ( يستنبطونه ) : من مادة ( نبط ) وتعني أوّل ما يخرج من ماء البئر أو الينبوع .
والإستنباط في الإصطلاح : هو التعرف على حقيقة الأمور من الأدلة والقرائن والشواهد .
ومنه إستنباط الحكم الشرعي من أدلته المعتبرة .
و ( أُولِي الْأَمْرِ ) هنا : هم الذين بإمكانهم معرفة حقيقة الأمر .
هذه الآية الكريمة تتحدث عمّا يتناقله الناس من أخبار وإشاعات في أوقات الصراع مع الأعداء .
فالناس في مثل هذه الأوقات ينقلون كل ما يصل الى أسماعهم أو تقرأه عيونهم بدون تدقيق وتمحيص ، والحال أنّه قد يكون ممّا يبثه العدو أو الصديق لأغراض شتّى .
وتبدأ الإشاعة بأنْ يختلق العدو أو العميل أو مَن كان في قلبه مرض أو حتى الصديق كذبة ، ثمّ ينشرها بين أفراد مغرضين أو بسطاء ، ليقوموا بدورهم بالترويج لها ، بل قد يزيدون عليها قصصاً وحكايات وتهويلات ، ممّا يؤدي إلی مخاطر جمّة .
فقد يبث العدو خبراً ليغطي على منطلق عدوانه ، أو ليغطي على مَن ساعده من عملائه ، أو للتثبيط ، أو للتوريط ، وما الى ذلك من غايات .
بل كثيراً ما يكون مصدر الإشاعة هم نفس المؤمنين ، كما في إختلاق أخبار انتصارات وهمية ، الأمر الذي قد يؤدي الى نحو من الغرور عند المجاهدين مما يوصلهم الى اللامبالاة وعدم الحذر ، بل قد يؤدي ذلك عند المؤمنين عامة الى توقع سقوف عالية من النصر ، سرعان ما تتبخر ، فيؤول الحال الى إحباط وتململ .
وهكذا الأمر في نشر أخبار إنكسار أو مبالغة في إمكانات العدو فيؤدي ذلك الى رعب وتثبيط ويأس وكسر للمعنويات .
( وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ )
هنا بيّن القرآن الكريم المشكلة .
فما الحل ؟؟
القرآن الكريم يجيب :
( وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) .
فالواجب على المؤمنين في مثل هذه الحالات أنْ يرجعوا في ذلك الى الثقاة المأمونين من قادتهم ، وأهل البصيرة والخبرة منهم ؛ ليبيّنوا حقيقة الأمر إذا كان الأمر ممَّا يمكن بيانه ، ولم يكن ممَّا يجب إخفاؤه لكي لا يصل الى العدو .
ثم تقول الآية الكريمة :
( وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً )
أي : إنَّ الله سبحانه فضّل عليكم بأنْ أرسل لكم أنبياء وأتبعهم بأوصياء ، ثم علماء عدول ، ومجاهدين أمناء ، ولولاهم لأتبعتم الشيطان .
فيشير الله جلّ وعلا بقوله : ( إِلاَّ قَلِيلاً ) الى هذه الصفوة التي سدّدها الله سبحانه فهؤلاء لا يتبعون الشيطان ، وأنتم لا تنجون من إتباع الشياطين إلّا بإتباعكم لهذه الصفوة .
والله العالم بحقائق كتابه .
عظّم الله أجوركم .