جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف مشعان .. حينما يفقد الكلام معناه

مشعان .. حينما يفقد الكلام معناه

حجم الخط

 


سمير السعد


لا شيء يدعو للدهشة أكثر من السياسي الذي يبدل مواقفه كما يبدل ملابسه، يركب الموجة حيثما اتجهت، ويعيد صياغة خطابه وفقًا لما يحقق له المكاسب الشخصية. مشعان الجبوري، الذي اعتدنا على تصريحاته المتناقضة وانقلابه على مواقفه السابقة، يطلّ علينا اليوم ليقدم درسًا جديدًا في الانتهازية السياسية، محاولًا إعطاء محاضرة في الوطنية، وكأنه لم يكن يومًا جزءًا من الفوضى التي شهدها العراق، بل وأحد رموزها البارزة.

في تغريدته الأخيرة، عقد الجبوري مقارنة بين ما أسماه “الفصائل السنية” في سوريا، التي زعم أنها حلت نفسها واندمجت في الدولة، وبين “الفصائل الشيعية” في العراق، التي ترفض ذلك بحسب زعمه. لكنه، وكعادته، يتجاهل الوقائع الحقيقية لصالح سردية انتقائية تخدم توجهاته اللحظية. فمن يتحدث اليوم عن الاندماج في سوريا هو ذاته من كان بالأمس يغازل قادة الجماعات المسلحة هناك، ويصفهم بالثوار، متزلفًا إلى الجولاني وغيره من رموز “المعارضة المسلحة”، التي لم تكن سوى الوجه الآخر للتطرف المسلح.

أما في العراق، فمن المفارقات أن الجبوري نفسه لم يكن يومًا بعيدًا عن الفصائل التي ينتقدها الآن، بل كان في مراحل عدة من حياته السياسية يحاول التقرب منها، ويتودد إلى قادتها وفقًا لمصالحه الشخصية. فهل نسي الجبوري عندما كان يطالب بدعم الحشد الشعبي؟ أم تناسى حين كان يتحدث عن ضرورة الحفاظ على التوازن السياسي عبر إشراك جميع القوى الفاعلة في العملية السياسية؟

إن مشكلته  ليست فقط في تقلب مواقفه، بل في محاولته الدائمة ارتداء ثوب الواعظ، متناسياً أنه كان شريكًا في كثير من الفوضى التي يزعم انتقادها. إنه مثال حيّ على السياسي الذي يتخلى عن كل قناعة مقابل البقاء تحت الأضواء، حتى لو اضطر إلى التناقض مع نفسه في كل مرة يتحدث فيها.

إذا كان  يرى في سوريا نموذجًا يُحتذى، فلماذا لا يخبرنا عن واقع تلك الفصائل التي يتحدث عنها؟ هل أصبحت حقًا جزءًا من الدولة أم مجرد أدوات بيد قوى إقليمية؟ ولماذا لا يذكر كيف تم التعامل مع من رفض الاندماج هناك؟ الأجوبة واضحة، لكن هو  لا يراها، أو بالأحرى لا يريد أن يراها، لأنه لا يبحث عن الحقيقة بل عن خطاب يحقق له مكسبًا سياسيًا جديدًا.

من يريد التحدث عن احترام الدولة ودمج الفصائل في مؤسساتها، عليه أولًا أن يكون ثابتًا في مواقفه، وألا يكون ممن يغيرون أقوالهم وفقًا لتبدل الرياح السياسية. أما الجبوري ، فقد أثبت مرارًا أن مواقفه ليست سوى انعكاس لمصالحه الشخصية، وليست قناعة حقيقية تستحق الاحترام.

المشكلة   ليست فقط في ازدواجية المعايير التي يتبناها، بل في إصراره على تقديم نفسه كحكم نزيه في قضايا يعلم الجميع أنه كان طرفًا فيها، بل ومستفيدًا منها في أكثر من مرحلة. فحديثه عن ضرورة دمج الفصائل في مؤسسات الدولة لا يبدو إلا خطابًا موجهًا للاستهلاك الإعلامي، وليس نابعًا من قناعة راسخة.

المؤسف أن هذا الخطاب الانتهازي ليس جديدًا، بل هو جزء من نهج الجبوري منذ سنوات. فحينما كان في موقع قوة، كان خطابه مختلفًا تمامًا، وعندما تغيرت الظروف، انقلبت مواقفه كما لو أن الماضي لا وجود له. وهذا بالضبط ما يفقده أي مصداقية في حديثه عن الشأن العراقي أو السوري أو أي قضية أخرى.

إن بناء الدولة الحقيقية لا يتم عبر تغريدات شعبوية أو مقارنات ساذجة، بل عبر مواقف ثابتة تعكس رؤية وطنية واضحة. أما من جعل السياسة وسيلة للتلون والتقلب، فلن يكون يومًا جزءًا من الحل، بل سيظل دائمًا جزءًا من المشكلة. و الجبوري، بكل تاريخه المتقلب، لن يكون الاستثناء من هذه القاعدة.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال