د. نعمه العبادي ||
منذ التغيير الجديد الذي حصل في سوريا، وأنا أراقب المشهد عن كثب، للتعرف على شخوص ورموز هذا التغيير، ولأرى موقع ما سمي بالمعارضة السورية من ترسيمة السلطة الجديدة، ومع كل الجهد الذي بذلته في المتابعة، لم أرى إلا رجلا واحدا أوحدا، وكأن كل شيء في سوريا الجديدة من صنعه حصريا، فحتى بعض الشخوص الذي ظهروا في المشهد مثل رئيس الوزراء المؤقت ووزير الخارجية (الشخصية الاقرب للشرع)، ووزير الدفاع، أجدهم ظلالا باهتة للشرع، وصدا لحديثه وشخصه، إذ أشعر ان الدول التي استقبلت وزير الخارجية او الجهات التي ألتقت معه، إنما تصافح الشرع، وتتحدث إلى الشرع، حتى وهي تتحدث الى الوزير.
يؤرخ الكثير لمعارضة سورية عمرها يتجاوز الخمسين سنة، فهناك معارضة من زمن الاسد الاب، واخرى لحزب البعث السوري، وثالثة نشأت بعد ان صار الحكم إلى بشار، وأخريات تكون بعد ذلك، وقد سمعنا اصواتا لا حصر لها خلال سنوات الازمة السورية، فأين هذا الجمع الطويل العريض من المشهد السوري الجديد؟ هل ذابت واندكت كل تلك الاصوات على مختلف مشاربها وتوجهاتها في مشروع الجولاني/الشرع، أم ان هناك قرارا ألزمها بالصمت والتسليم والذوبان في المشروع الجديد أم انها كانت مجرد أوهام ووجودات كارتونية لا حقيقة لها؟
حقيقة، لا تنتهي دهشتي، وأنا اشاهد توجه واحد ولون واحد وشخص واحد، والغريب ان “أمم الديمقراطية والتعددية” و ” انظمة دعم المشاركة” في الغرب والشرق، لا تتحدث إلا عن الشرع، ولا تتفاهم إلا مع الشرع، ولا تطلب إلا من الشرع، ولا تراهن إلا على الشرع، ولم نسمع اصوات حقيقية تطلب وجود الشركاء في مشهد السلطة، فحتى الشراكة والانفتاح على اطياف الشعب الاخرى، تطلب من الشرع حصريا وبواسطته.
تتزايد دهشتني وانا اسأل: اين مقاربة اليسار المعارض لسوريا الجديدة، واين الليبراليون الذين صدعوا رؤوسنا، واين المنشقون، واين الديمقراطيون، واين واين، هل يعقل، ان كل هذه الاطياف راضية وموافقة ومتسقة مع صيغة الحكم الجديد، ام انهم غادروا البلاد سرا مع بشار الاسد، ام انهم يخافون من اظهار صوتهم، فهم لا يزالون في مرحلة المعارضة السرية، ام ان من اسقط النظام وصنع سورية الجديدة، اوجد مفتاحا واحدا حصريا وسلمه بيد الشرع، لا غير؟!
صحيح، ان التشرذم والتقاطع ضرر كبير لمشروعات التغيير، لكن التفرد اشد ضرر منه، واحتكار السلطة هو الخطر الاكبر، لذلك، تنبأ الامور بدكتاتورية جديدة من نمط مختلف، لكن الاصل فيها يبقى هو احتكار السلطة.
اتمنى ان ارى في القريب العاجل مقاربات مختلفة لشكل وطبيعة الحكم في سوريا، تمثل رؤية اطياف الشعب السوري المختلفة، وتعكس وجهات النظر المتعددة، هذا إذا كان الامر يصدق عليه تغيرا يتطلع الى تحسين الامور وإلا فنحن امام نسخة تسلطية بخطاب مراوغ.