بقلم: حسين سالم
منذ عام 2003 وحتى اليوم، تغيرت المعادلات في الشرق الأوسط، لكن هناك حقيقة واحدة أصبحت ثابتة: الشيعة لم يعودوا مجرد مكون يمكن تجاوزه أو تهميشه، بل تحولوا إلى قوة فاعلة تفرض واقعًا جديدًا في السياسة والحرب والمقاومة. ورغم كل المحاولات لكبح هذا الصعود، من الحصار إلى العقوبات إلى الحملات الإعلامية، فإن المشروع الذي يحملونه يزداد رسوخًا، بينما تتراجع مشاريع الخصوم التي لم تُبنَ إلا على التبعية والاستقواء بالأجنبي.
القضية لم تكن يومًا مجرد خلاف مذهبي أو صراع طائفي، بل كانت ولا تزال حربًا بين مشروعين: أحدهما يستند إلى الاستقلال والسيادة ورفض الهيمنة، والآخر قائم على التبعية والارتهان للقوى الخارجية. في كل محطة مفصلية من تاريخ المنطقة، كان الشيعة في طليعة من وقفوا في وجه الاستعمار والاحتلال، بينما اختار آخرون الارتهان للحماية الأجنبية مقابل بقائهم في السلطة. ولهذا، كان طبيعيًا أن يكون الشيعة هدفًا رئيسيًا لكل حملة تشويه وتحريض، تديرها غرف سوداء تمتد من واشنطن إلى تل أبيب مرورًا ببعض العواصم الخليجية والتركية.
منذ سقوط النظام البعثي، شُنت ضد الشيعة حرب شرسة، ليس لأنهم طائفيون كما يروج الإعلام المأجور، بل لأنهم أسقطوا مشروع الاحتلال الأمريكي في العراق، وأجبروا واشنطن على إعادة حساباتها، ونجحوا في بناء قوة عسكرية وسياسية لا يمكن تجاوزها. حاولت أمريكا وإسرائيل، ومعهما أدواتهما الإقليمية، محاصرة النفوذ الشيعي، لكن كل محاولاتهم انتهت بالفشل، لأن الشيعة لم يراهنوا يومًا على الدعم الأجنبي، ولم يبنوا مشروعهم على الرضى الأمريكي، بل على قوة المقاومة وسلاح العقيدة وإرادة الشعوب.
اتهموا الشيعة بأنهم أدوات لمشاريع خارجية، بينما الحقيقة أنهم وحدهم من تصدى للمشاريع الاستعمارية، من العراق إلى لبنان إلى اليمن وسوريا. بينما هرول آخرون نحو التطبيع وفتح أراضيهم للقواعد الأجنبية، كانوا هم من يواجهون الاحتلال الإسرائيلي، ويفرضون توازن الردع، ويحولون العدوان إلى فرصة لتعزيز قدراتهم العسكرية والسياسية. المشكلة الحقيقية ليست في التبعية، بل في الاستقلال؛ فالغرب وأدواته لا يخشون من يتحالف معهم، بل ممن يرفض أن يكون تابعًا لهم.
اليوم، لم يعد ممكنًا تجاهل الشيعة في أي معادلة إقليمية. من يريد رسم مستقبل الشرق الأوسط، عليه أن يتعامل مع هذه الحقيقة، لا أن يحاول إنكارها. فقد أثبتت الوقائع أن الشيعة لم يصعدوا بفعل الفراغ أو الدعم الخارجي، بل لأنهم امتلكوا الإرادة والقدرة على الصمود، ودفعوا أثمانًا باهظة في سبيل مشروعهم، في وقت كان الآخرون يراهنون على الحماية الأمريكية والإسرائيلية لضمان بقائهم.
التاريخ لا يرحم الضعفاء، والمشاريع التي تقوم على التبعية مصيرها السقوط. أما من يعتمد على نفسه، ويقاتل لأجل قضيته، فهو من يصنع المستقبل. ولهذا السبب، رغم كل الحروب والمؤامرات، ستظل الحقيقة ثابتة: الشيعة هم الرقم الأصعب في معادلة المنطقة، ولا يمكن كسرهم، لأن مشروعهم ببساطة يستند إلى المقاومة والسيادة والكرامة، وليس إلى اتفاقيات الخنوع والاستسلام.