جليل هاشم البكاء ||
تحل علينا ذكرى ميلاد الأقمار الثلاثة من بيت النبوة، الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس، والإمام زين العابدين عليهم السلام، وهي مناسبة عظيمة لاستذكار القيم والمبادئ الإنسانية التي خلدتها هذه الشخصيات العظيمة في التاريخ الإسلامي. كانت حياتهم نموذجًا للكرامة، والإباء، والتضحية، مما جعلهم مصدرًا للعزة والفخر لكل الأحرار في العالم
الإمام الحسين … رمز الحرية وعنوان الكرامة
الإمام الحسين عليه السلام لم يكن مجرد قائد ثورة، بل كان منارةً تضيء درب الأحرار، ومنهجه مدرسةً متكاملة في رفض الظلم والاستبداد. لقد سلب الطغاة القدرة على ابتزاز الأحرار، وبرمج بوصلة الاختيار بين “الذلة والسلة”، فجعلها تميل دائمًا نحو العزة والكرامة، مهما كان الثمن. كانت كربلاء شاهدًا خالدًا على هذا النهج، حيث اختار الحسين عليه السلام طريق التضحية، مقدمًا دماءه الطاهرة في سبيل إحياء القيم الإسلامية وإعلاء صوت الحق
العباس بن علي … السند المخلص والقوة الوفية
لم يكن الإمام الحسين عليه السلام وحيدًا في مسيرته، فقد كان إلى جانبه أخوه العباس بن علي عليه السلام، رمز الوفاء والإيثار. لم يكن مجرد مقاتل شجاع، بل كان مثالًا للتضحية ونكران الذات، إذ قدَّم نفسه قربانًا لعطش أطفال كربلاء، وأبى أن يشرب الماء إلا بعد أن يروي عطش أخيه وأهل بيته. كان العباس عليه السلام تجسيدًا حيًّا لمعاني الإخلاص والقوة في مواجهة الظلم والطغيان
الإمام زين العابدين … ملحمة الانتصار بالكلمة
بعد أن خُضبت أرض كربلاء بدماء الطاهرين، وانتقلت المعركة من السيف إلى الكلمة، حمل الإمام زين العابدين عليه السلام راية الثورة من خلال خطابه المؤثر الذي هزَّ عروش الطغاة. مع عمته السيدة زينب عليها السلام، استطاع أن يقلب موازين النصر والهزيمة، محوِّلًا انتصار السيف المؤقت إلى هزيمة أخلاقية وسياسية ليزيد وأتباعه. في مجالس الطغاة، كان الإمام السجاد عليه السلام يُلقي خطبًا كشفت الحقائق، ومزقت ستار التضليل، وأبقت قضية كربلاء حيّة في وجدان الأمة الإسلامية
دروس خالدة من الولادة إلى الاستشهاد
إن ولادة هؤلاء العظماء لم تكن مجرد حدثٍ تاريخي، بل كانت إيذانًا بولادة منهج رسالي خالد، يقوم على نصرة الحق، ومقارعة الظلم، وتقديم الكرامة على الحياة المذلة. فالحسين عليه السلام علمنا كيف نختار درب الأحرار، والعباس عليه السلام علمنا كيف يكون الوفاء والإيثار، وزين العابدين عليه السلام علمنا كيف تنتصر الكلمة على السيف
في هذه الذكرى العطرة، نتوجه بالسلام إلى هؤلاء الأنوار المضيئة، ونجدد العهد على التمسك بمبادئهم، ونستلهم من سيرتهم معاني العزة والكرامة، فسلامٌ عليهم في كل وقت وحين، وسلامٌ على دربهم الذي لا يزال نبراسًا لكل الأحرار في العالم