جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف معاوية الجديد في الساحل التاريخ لا ينسى

معاوية الجديد في الساحل التاريخ لا ينسى

حجم الخط

 


سمير السعد

لطالما كان التاريخ مرآةً تعكس الحاضر، وما شهدناه في الساحل السوري ، ليس إلا إعادة تمثيل لمآسي الماضي. معاوية بن أبي سفيان، الذي ارتبط اسمه في التراث الإسلامي بالمكر السياسي والتلاعب الديني، يبدو أن له امتدادًا في سلوك بعض الجماعات التي تسفك الدماء بلا تردد، لا لشيء سوى لانتماءات طائفية.

ما حدث ويحدث من عمليات قتل وتنكيل بالأبرياء في الساحل السوري لا يمكن فصله عن جذوره الفكرية، إذ يتكرر المشهد ذاته الذي بدأ قبل 1400 عام، حيث لا تزال مشاعر الحقد والغل متأصلة في النفوس التي تحاول استئصال كل ما يمت لنهج أهل البيت بصلة. هؤلاء، الذين يدّعون أن الماضي لا يعنينا، يبرهنون بأفعالهم أنهم امتداد لنهج معاوية، حيث لم يكن الصراع سياسيًا بقدر ما كان تصفية ممنهجة لفكرٍ معارض، ومعاقبةً لكل من يرفض الاستبداد.

في المقابل، فإن ما يجري اليوم ليس مجرد أحداثٍ منعزلة، بل هو جزء من مشروعٍ أيديولوجي طويل الأمد، يستند إلى تكريس الهيمنة عبر القتل والتنكيل، تمامًا كما فُعل في التاريخ القديم. لا يمكن لمن يحمل فكرًا قائمًا على الطغيان إلا أن يعيد إنتاج نفس الجرائم، ولا يمكن لمن يبرر القتل باسم السلطة أن يكون إلا امتدادًا لتاريخ مليء بالخداع وسفك الدماء.

ليس من المصادفة أن تتكرر الأساليب ذاتها التي اتبعها معاوية في تأسيس دولته، من شراء الذمم ونشر الفتن إلى استخدام العنف كأداة لترسيخ الحكم. فكما كان معاوية أول من أدخل مفهوم “المُلك الوراثي” وأسس لدولة قائمة على القمع والاضطهاد، فإن الجماعات التي تحكم الساحل السوري اليوم تنتهج ذات السياسة، حيث يتم التلاعب بالدين لخدمة السلطة، وإقصاء المعارضين بشتى الوسائل، سواء بالقتل المباشر أو بالتجويع والحصار.

لقد كان معاوية رمزًا للغدر السياسي، فلم يتردد في قتل الصحابة والتنكيل بأتباع علي بن أبي طالب(  ع )  وآل  بيت الرسول الأطهار ، تمامًا كما يحدث اليوم مع كل من يرفض الانصياع للحكم القائم في الساحل السوري. الأساليب واحدة، والنتائج متشابهة ، استخدام الدين كأداة لتبرير القتل، وتصفية المعارضين باسم الوحدة والاستقرار.

حين صرّح الجولاني بأن “قضية معاوية والصراعات التاريخية ليست من شأننا اليوم”، كان يحاول التهرب من واقع يثبت العكس. فالجماعات التي يدعمها وينتمي إليها ما زالت تمارس نفس النهج الذي بدأ منذ 14 قرنًا، حيث يتم تصنيف الناس على أساس طائفي، ويُقتل الأبرياء لأنهم ينتمون إلى مذهب معين، في تكرار واضح لما فعله الأمويون.

إنّ هذه الجرائم المستمرة تثبت أن الأمر ليس مجرد اختلاف سياسي، بل هو امتداد لحقد تاريخي لم ينطفئ، إذ لا تزال بعض القوى ترى في فكر أهل البيت تهديدًا لوجودها، وتستخدم العنف لإسكاته. وما يحدث في الساحل السوري اليوم هو الدليل الأوضح على أن النهج الأموي لم يمت، بل يجد من يعيد إحياؤه بأشكال مختلفة.

كما سقطت الدولة الأموية في الماضي رغم سطوتها، فإن كل طغيان محكوم عليه بالزوال. قد يستمر الظلم لفترة، وقد يبدو أن القوة تحسم المعركة، لكن التاريخ علّمنا أن الاستبداد مهما طال، فإن نهايته حتمية. الفرق الوحيد بين الماضي والحاضر هو أن الوعي يزداد، وأن من كانوا ضحايا الأمس باتوا يدركون اليوم كيف يواجهون هذه الهيمنة الظالمة.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد أحداث متفرقة، بل هو صراع بين منهجين ، منهج قائم على العدل والحق، ومنهج آخر يستمر في استخدام القتل والقمع كأدوات للبقاء. وكما انتهت عصور الظلم السابقة، فإن الحاضر لن يكون استثناءً.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال