علي عنبر السعدي ||
كيف تحولت العقيدة من وسيلة الى غاية ؟؟ ومن تواصل الى تناحر ؟
” العقيدة “ما عقد عليه الناس أمورهم واتفقوا على صحته واحترامه ، وقد استمدت تاريخياً ،من المعاهدات والاتفاقات التي كانت تعقد بين المدن والقبائل والممالك ،حيث كل طرف يعقد عقدة في حبل قطني رفيع ،بمثابة توقيع ومصادقة على بنود المعاهدة والتزام بما جاء فيها .
تلك الطريقة التي التزمت بها مقدونيا اليونانية ،ودعت الاسكندر المقدوني ،الى ضربها بسيفه لقطعها حين عرضت عليه ،كي لا تكون قيوداً على طموحاته .
في الحضارات القديمة حيث لم تكن الأديان السماوية قد ظهرت بعد ،لم تكن العقائد سوى واقعها الاجتماعي ،معاهدات بين مستفيدين او متخاصمين ،يتفاهمون عليها ويقيسون امورهم طبقاً لأحكامها ، التي وضعوهم بأنفسهم ،ومن ثم فالعقائد تقاس بمدى التزام واضعيها ، ولم تكن مقدسة بذاتها ولذاتها ، الا بمقدار فائدتها وتلبيتها لما وضعت من أجله ، لكن ذلك تعرضّ – ممارسة ومفهوماً – الى تحول جذري ،بأول ظهور للعقائد الدينية مع ظهور الزرادشتية .
ظهرت الزرادشتية كأول ديانة (سماوية) ما بين – 1800 / 1500ق/م – كما يذهب بعض المؤرخين ، وتتلخص قصة زرادشت وتعاليمه – كما جاء في ” المعتقدات الدينية لدى الشعوب – جفري باوندر – إن أول من آمن بزرادشت ،هي زوجته (هافويه)، وابن عمه (ميتوماه) وكان على متبع الزرادشتية أن ينطلق بالشهادتين (أشهد بايماني بالاله اهورا ميزدا – وبزرادشت رسوله الكريم).
فرض زرادشت على اتباعهى تعاليم صارمة : تُقطع يد السارق و تحرم الربا وشرب الخمور واللواط والزنا والكذب والإنتحار ،كما منع على معتنق الزرادشيته الخروج منها والا عد مرتداً يستوجب القتل .
يعتكف زرادشت في كهف يتعبد لاهورا مزدا ويتلقى الحكمة ،الى أن نزل عليه (فاهومانا) كبير الملائكة ،ليبلغه وحي الرسالة .
الزرادشتية بذاتها ،كانت امتداداً في التوحيد ،لما جاء به الأكديون واسطورة “ماردوخا” القوي الحكيم اله الخير والضياء ، لكن ديانة زرادشت كانت أكثر تشدداً وتفصيلاً ،وهو ما يمتد تأثيره في الإسلام لتخرج منه التنظيمات ال(( جهادية)) .
تحولت الزرادشتية الى عقيدة ملزمة لاتباعها ، لكنها لم تخض حروباً ولم تجبر أحد على اتباعها ولا أخذ الجزية من المخالفين ، بل كانت ممن بشّر بولادة المسيح ، وأرسلت ثلاثة من كهنتهم ،للسلام على الطفل يسوع .
المسيحية التي تحولت بدورها الى عقيدة ، كانت قد واجهت العقيدة اليهودية المنغلقة على ذاتها والمتخذة إلهاً خاصاً جعل منهم شعباً مختاراً ، تحولت كذلك الى فرق متناحرة تدعي كل منها انها العقيدة الصحيحة .
التناحر في الاسلام ،كان قد بدأ منذ الأيام الأولى لوفاة الرسول ،حيث شنّ قادة ((العقيدة)) حملة شرسة ضد كل من أعلن عدم موافقته على القيادة الجديدة ، ثم استمرت المذابح ضد كل عقيدة لا توافق عقيدة الحاكم ،ونشأ عن ذلك فتاوى وعقائد تجعل من قتل الآخر ،خدمة للعقيدة ونصرة لنشرها .
تلك أمثلة من مسار (العقائد) يظهر فيها بشكل قاطع ،إن العقائد ،ترتبط بالأقوام التي تعتنقها ،ولا عقيدة في جوهرها ، الاربطاً بمعتنقيها ،من هناك فالأمة الفاسدة ،لا يمكنها اعتناق عقائد صحيحة ، وان حدث ذلك استثنائياً ،فإن الأمة الفاسدة ، لابد ان تفسد تلك العقيدة ،حتى لو كانت صحيحة .
ما علاقة ذلك السرد التاريخي ،بالواقع السياسي اليوم ؟؟
وكيف يمكن للعراقيين ،المؤامة بين عقيدة تنتصر للمظلوم – حتى لو كانت عقيدته منحرفة ،تدعوه أن يكون عدّواَ لهم حاقداً عليهم – وبين عقيدة تدعوهم الى الالتزام بقناعاتهم ، دون التفريط بواقعهم ورؤية الاحقاد المحيطة ، الساعية الى افنائهم ؟!
هذا ما نتناوله في الحلقة القادمة