نزار الحبيب
الحرب المالية الثالثة بدأت تتشكل ملامحها في عالم يشهد تغيرات جذرية في موازين القوى الاقتصادية. في قلب هذا الصراع المالي نجد قوى الشرق بقيادة الصين، التي نجحت خلال العقود الأخيرة في بناء اقتصاد قوي ومتنوع، تقف بمواجهة الهيمنة التقليدية التي تمثلها القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة، والتي استخدمت الرأسمالية كأداة لإحكام قبضتها على الاقتصاد العالمي واستغلال موارد الدول النامية في الشرق وأفريقيا.
الصين، التي تعد اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تعمل على إعادة تشكيل النظام المالي العالمي بما يتناسب مع مصالحها ومصالح حلفائها في الشرق والجنوب العالمي. من خلال مبادرات مثل الحزام والطريق، تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي وربط الأسواق العالمية بشبكة من المشاريع والبنى التحتية التي تقودها. وفي المقابل، الولايات المتحدة التي كانت لسنوات طويلة تهيمن على النظام المالي العالمي عبر الدولار وصندوق النقد الدولي، تواجه تحديًا غير مسبوق من عملات بديلة وتحالفات مالية جديدة.
الأزمة تتجاوز مجرد صراع بين عملتين أو نظامين اقتصاديين؛ إنها انعكاس لفشل الرأسمالية الغربية في تحقيق العدالة الاقتصادية. لعقود طويلة، اعتمدت القوى الغربية على استنزاف موارد الدول النامية عبر نظام اقتصادي غير متوازن، حيث تتحكم الشركات متعددة الجنسيات في الأسواق وتفرض شروطها على الحكومات. هذا النظام الذي ولد فجوة هائلة بين الأغنياء والفقراء، لا يمكن أن يستمر في ظل التغيرات الجارية.
في هذا السياق، تبرز أهمية العالم العربي كقوة اقتصادية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في هذه الحرب. على الرغم من انقساماته السياسية، يمتلك العالم العربي موارد طبيعية هائلة، مثل النفط والغاز، يمكن أن تشكل ورقة ضغط استراتيجية. ولكن الاعتماد المستمر على الغرب كحليف اقتصادي وسياسي يضعف من قدرة العرب على الاستفادة من هذه الموارد لتحقيق استقلالهم الاقتصادي.
الحرب المالية الثالثة ليست مجرد مواجهة بين قوى الشرق والغرب، بل هي فرصة لإعادة صياغة القواعد التي يقوم عليها النظام المالي العالمي. إذا استمرت الدول في الشرق وأفريقيا والعالم العربي في استغلال هذه اللحظة للتحرر من القيود المالية الغربية، فإن سقوط الرأسمالية المتغطرسة قد يصبح حقيقة، وستظهر مرحلة جديدة من التوازن الاقتصادي العالمي.