جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف "حنين إلى أمهات الزمن الجميل"

"حنين إلى أمهات الزمن الجميل"

حجم الخط

 


سمير السعد 


في زحمة هذا العصر المتسارع، حيث تتساقط القيم كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف، نتوقف لنبحث عن شيء نتمسك به، شيء يعيدنا إلى جذور الطمأنينة والدفء. فلا نجد إلا صور الأمهات القديمات، بصوتهن الرقيق، وبكلماتهن المليئة بالحكمة، ودموعهن التي كانت تبكي لنا قبل أن نبكي على أنفسنا.

كانت الأم في الماضي كتاباً مفتوحاً للحنان، موسوعة من القيم، مدرسة تخرّج منها جيل يعرف كيف يفرح بأبسط الأشياء. لم تكن تحتاج إلى وسائل ترفيه حديثة لتزرع البهجة، كانت تكتفي بصحن من الطعام الساخن، أو دعاء في منتصف الليل، أو حضن دافئ في لحظة انكسار. كانت كلماتها مرجعية، ودموعها منبهًا روحيًا يوقظ القلب من غفلته.

أما اليوم، فكم نفتقد تلك الأصوات التي كانت تبث فينا طمأنينة الوجود! صارت الحياة مادية أكثر، والمشاعر مفرغة من عمقها، والعلاقات سطحية. حتى الأمهات تغيّرن، فقد أخذن شيئًا من قسوة العصر، وصارت الأمومة مشغولة بالهواتف الذكية، ومقيدة بأجندات العمل، فتراجع دور القلب وتقدّم دور العقل.

ونحن لا نشتاق فقط إلى الأمهات كشخصيات، بل إلى زمن كانت فيه الأم تُنادي ولدها بلقب لا يسمعه إلا منها، وتخيط ثوبه بيديها، وتبكي حين يفرح لأنه يرى في فرحه خلاصًا من تعبها. نشتاق إلى تلك الدموع التي كانت لغة صامتة لحب لا يُقاس، نشتاق إلى كلمات مثل: “الله يحفظك”، “بعد  أمك”، “ما يهمني غير راحتك”، “سباح گلبي”، “من عمري على عمرك يمه” ، " اوليدي ضي عيوني "… تلك العبارات وغيرها ، التي لم تكن مجرد كلمات، بل كانت دعاءً ممتدًا وحنانًا لا يُنسى.

وفي هذا السياق، لا يمكننا إغفال التحولات التي طرأت على كثر من الأمهات الشابات اليوم، حيث أصبح أغلب وقتهن منصبًا على منصات التواصل الاجتماعي، منشغلات بمتابعة العالم الافتراضي على حساب متابعة الأبناء، الأمر الذي أحدث فجوة في التربية والعاطفة. تزايدت الطلبات وتعاظمت التوقعات، مما أضاف أعباء معيشية على الرجل، دون إدراك لصعوبة ما يمر به في سبيل توفير لقمة العيش. وعلى النقيض، كانت الأمهات القديمات سندًا وعونًا، وغطاءً وستراً، يهوّنّ على الرجل همومه، ويخففن عنه أعباء الحياة بكلمة طيبة أو فعل صادق.

ومع كل ذلك، يبقى الاحترام واجبًا لكل الأمهات في مجتمعنا، صغيرات وكبيرات. لكن المراجعة ضرورية. العودة إلى القيم الأصيلة ليست ترفًا، بل حاجة ملحّة. نحتاج إلى أن نسترجع تلك الروح التي كانت تصنع من البيوت جنّات، وتحوّل الفقر إلى غنى، والصمت إلى حديث حنون.

في زمن المتغيرات، لا بد من العودة إلى الأصل، والتمسك بما تبقّى من ملامح ذلك الزمن الجميل… زمن الأمهات الحقيقيات

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال