أسامة القاضي ||
أثار تصريح مجرم الحرب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو موجة غضب عارمة في الأوساط الفلسطينية والدولية، بعد أن أنكر وجود مجاعة في قطاع غزة مستشهدًا بكل وقاحة بأن “آلاف المعتقلين الفلسطينيين صُوّروا عراة ولم تظهر عليهم آثار الجوع”، في ما وصفه مراقبون بأنه أكثر من مجرد نفي للواقع؛ بل هو خطاب وقح يُجسّد العقلية الإجرامية المتغطرسة التي تحكم سياسات الاحتلال.
التصريح ليس زلة لسان، بل انعكاس حقيقي لذهنية الاحتلال، واحتقار سافر للضحايا، وتأكيد على أن إذلال الإنسان الفلسطيني أصبح جزءاً ممنهجاً من أدوات الحرب النفسية والسياسية التي يمارسها الاحتلال على مدار الحرب التي تدخل يومها الـ 600.
الوقاحة الموثقة: إذلال ممنهج
تصريحات نتنياهو لا تعكس فقط إنكارًا للحقيقة الماثلة، بل تكشف عن اعتراف ضمني باستخدام الإذلال الجسدي كوسيلة لإرهاب مجتمع بأكمله. فقد تناقلت وسائل الإعلام على مدار الشهور الماضية، عشرات الصور والفيديوهات التي تُظهر معتقلين فلسطينيين -مدنيين- جُرِدوا من ملابسهم، وتم تصويرهم بشكل مهين تحت تهديد السلاح، في مشاهد أعادت إلى الأذهان أساليب التعذيب في سجن أبو غريب سيئ السمعة.
هذا التصريح يُمكن أن يُستخدم كدليل إدانة مباشر في المحاكم الدولية، وهو بمثابة اعتراف رسمي من أعلى سلطة في كيان الاحتلال باستخدام سياسة الإذلال كأداة حرب، وإصرار على نفي التجويع القاتل الذي يتعرض له أكثر من مليوني إنسان في القطاع.
غزة تُجَوَع… والعالم يتفرج
بينما يتحدث نتنياهو عن “عدم وجود آثار للجوع”، يعيش الفلسطينيون في غزة واحدة من أقسى الفصول في تاريخهم، حيث تُقدر مؤسسات دولية، من بينها “أوكسفام” و”برنامج الغذاء العالمي”، أن أكثر من نصف سكان القطاع لا يحصلون على وجبة غذائية واحدة يوميًا، وأن مئات الأطفال ماتوا إما جوعًا أو بفعل الجفاف ونقص الرعاية الصحية.
يحكي المواطن سامر خليل للرسالة، أنه لم يتمكن منذ أكثر من أسبوعين من توفير كيس طحين واحد لأسرته. “أولادي ما أكلوا رغيف محترم من شهر. آخر مرة جبت فيها 2 كيلو طحين كانوا مسوسين وريحتهم كريهة، بس ما عندنا خيار… أكلناهم لأن ما في غيرهم”، يقول خليل، وهو يمسح دمعة نزلت على خده من القهر.
وفي ظل هذه المعاناة، بات كيلو الطحين يُباع بما يصل إلى 80 شيكلًا، إن وُجد، والرز والزيت والحليب تحولوا إلى أحلام مستحيلة في مدينة أشباح لا تزال تحت القصف والحصار.
حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أصدرت بيانًا صحفيًا شديد اللهجة، واعتبرت أن تصريح نتنياهو يعكس “عقلية إجرامية مريضة”، وأنه اعتراف فاضح بارتكاب الاحتلال لجرائم حرب موثقة بالصوت والصورة. وطالبت الحركة محاكم العدل والجنائية الدولية بتوثيق التصريح والعمل على جلب قادة الاحتلال إلى العدالة.
وأضاف البيان: “هذا التصريح ليس مجرد استخفاف بعقول العالم فقط، بل هو اعتراف صريح بارتكاب جرائم إذلال جماعي، واستهتار صارخ بمعاناة أكثر من مليوني نازح بلا طعام أو ماء أو دواء، قضى المئات منهم جوعاً ومرضاً وحرماناً، وفق تقارير أممية موثقة”.
تواطؤ عربي وإسلامي؟
في ذات السياق، تساءل الصحفي أحمد حسام بمرارة: “كيف يجرؤ نتنياهو على هذه الوقاحة؟ لأنه يعلم أن العرب صامتون، أن الأمة عاجزة حتى عن إدخال كيس طحين لأطفالنا”. وأضاف: “ما يقوم به الاحتلال هو نتيجة طبيعية لتواطؤ بعض الأنظمة بالصمت أو التطبيع، ومَن لا يستطيع حماية رغيف الخبز لشعبه، فهو شريك في موته”.
متى تتحرك العدالة؟
يتزايد عدد الشهداء، ويتفاقم الجوع، وتتصاعد الكارثة يومًا بعد آخر، بينما يقف العالم أمام هذا الانهيار الإنساني الكبير مكتوفي الأيدي. تصريحات نتنياهو لم تكن مجرد إساءة لفظية، بل هي رأس جبل جليدي من الجرائم التي يُرتكب أغلبها في الظل، تحت غطاء الصمت الدولي والانحياز الأمريكي.
ويبقى السؤال الأكبر معلقًا: هل سيتحرك العالم، وأدواته القضائية، ومؤسساته الحقوقية، لردع هذا الطغيان، أم أن غزة ستبقى ساحة مفتوحة للهمجية، ومرآة لعار البشرية الصامتة؟