كاظم الطائي ||
في ليلةٍ بدت هادئة للوهلة الأولى، اهتزّت الدوحة على وقع حدثٍ غير مسبوق؛ عملية نوعية نفذتها إسرائيل بطائرات مسيّرة اخترقت الأجواء القطرية، واستهدفت اجتماعًا سريًا لقيادات من حركة حماس، بينهم أبو مشعل وعدد من رفاقه.
النتيجة كانت صادمة: ضربة موجعة في قلب العاصمة القطرية الدوحة.
الحدث لم يكن هجومًا عسكريًا فحسب، بل زلزال أمني وسياسي يعيد تشكيل خريطة الحسابات الإقليمية، ويطرح أسئلة كبرى حول مفاهيم الحماية والسيادة في المنطقة:
هل انتهى زمن “الأمان الوهمي”؟ وهل القواعد الأجنبية حصن منيع أم مجرد واجهة خادعة تخفي واقعًا أكثر هشاشة؟
الضربة على القفى
ما جرى في قلب الدوحة كان صفعة قاسية على القفى لكل من يظن أن الوجود الأجنبي يساوي الأمان المطلق. الطائرات المسيّرة نفذت مهمتها بدقة، ثم غادرت بهدوء، تاركة وراءها واقعًا مختلفًا تمامًا عمّا كانت تعتقده قطر.
ويبقى السؤال الأبرز:
هل كانت الدوحة على علم مسبق بالضربة؟ أم أنها وثقت بوجود القوات الأمريكية في قاعدة العُديد كدرع أمني حصين؟
الدروس المستفادة للدول العربية
الحادثة ليست أزمة قطرية فحسب؛ بل درس استراتيجي قاسٍ لكل الدول العربية.
هرولة بعض العواصم نحو التطبيع، والارتهان إلى التحالفات العسكرية الأجنبية، لا توفران بالضرورة الأمن المنشود.
اليوم، قطر تقف شاهدة حية على هشاشة التحصينات المعلنة، وتجربتها قد تكون مرجعًا لبقية الدول لفهم معادلة الأمن والسيادة الحقيقية.
الساحة العربية بين الانقسام والاستغلال
من يراقب المشهد الإقليمي عن بُعد، يدرك حجم الانقسام العربي والاقليمي العميق الذي مكّن القوى الخارجية من اللعب بأوراق المنطقة.
ما حصل في قطر يثبت أن إسرائيل تتقن استغلال الانقسامات الإقليمية لصالح تحقيق أهدافها، وتعرف كيف توظف التصدعات العربية لضرب أمن المنطقة من الداخل.
الرسالة واضحة: الكيان لا يهاجمك وحدك، بل يختبر الجميع… واليوم قطر في المشهد، وغدًا قد تكون أي عاصمة عربية أخرى.
التساؤلات الكبرى والخيارات المستقبلية
هل كانت قطر مستعدة لهذا الاختراق الأمني المعقّد؟
هل ما زال الوجود العسكري الأمريكي يمثل حماية حقيقية أم مجرد درع وهمي؟
هل ستعيد الدول العربية حساباتها الأمنية بعد هذا الحدث؟
وإذا كانت الدول العربية تبحث عن تحالفات حقيقية ومستدامة، فعليها اختيار شركاء ينهجون “المبدأ” قبل “المصلحة” المؤقتة.
الخلاصة
ما جرى في قطر ليس حادثًا عابرًا، بل تحوّل استراتيجي في قواعد اللعبة الإقليمية.
السيادة لا تُشترى بالتحالفات ولا تُؤمَّن بالوعود، بل تُبنى على:
قوة محلية اقليمية رادعة، ووعي استراتيجي عميق، وفهم دقيق لطبيعة الخصوم.
أما من يراهن على الحماية الأجنبية وحدها… فليتأهب للدرس القادم، لأنه قد يكون أكثر قسوة.