د. ماجد الشويلي ||
ينبغي أن نتذكر على الدوام أن الديمقراطية ليست مأمونة على الدوام، وأن صناديق الاقتراع قد تأتي بأعتى الدكتاتوريات وأشرسها.
ولذلك لا يكفي الحضور والمشاركة في الانتخابات ما لم يكن هذا الحضور واعيًا ومدركًا لأهمية الاختيار ونوعه وتوقيته.
فالتاريخ يحدثنا أن أدولف هتلر – “الذئب النبيل” بالجرمانية القديمة – تبوّأ الحكم في ألمانيا عن طريق الانتخابات والدستور، بصورة غير مباشرة، ومن خلال سلسلة من الأحداث والوقائع السياسية التي استغل فيها النظام الديمقراطي في جمهورية فايمار.
فبعد الحرب العالمية الأولى سنة 1918، عانت ألمانيا أزمة اقتصادية حادّة نجم عنها تضخم كبير وتفشٍ للبطالة، وإذلالٌ ضرب الشخصية الألمانية في الصميم، نظرًا لما خلفته معاهدة فرساي التي فرضها الأوروبيون عليها.
هنا سعى هتلر إلى استغلال هذه الأوضاع بخطاب قومي وشعبوي معًا، أكّد فيه أنه يحمل الأمل الأخير لإعادة المجد لألمانيا، كما وعد بمعاقبة من خانوا الوطن من اليهود والشيوعيين.
في المرحلة الأولى، خاض الحزب النازي الانتخابات عام 1930، وحصل على 18% من الأصوات، ليصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان (الرايخستاغ).
في ذلك العام كانت علاقة هتلر بالحزب النازي علاقة قيادية مطلقة؛ فهو لم يكن مجرد عضو في الحزب، بل كان زعيمه الفعلي بلا منازع.
وفي الحقيقة، لم يكن الحزب النازي هو من صنع هتلر، بل هتلر هو من صنع الحزب وجعله أداته للوصول إلى الحكم.
ثم في الانتخابات الرئاسية عام 1932، ترشح ضد الرئيس العجوز بول فون هيندنبورغ، وحصل في الجولة الأولى على 30% من الأصوات، لكنه خسر في الجولة الثانية أمامه.
لكن رغم خسارته، ازدادت شعبيته بشكل كبير، حتى أصبح الحزب النازي في انتخابات يوليو 1932 أكبر حزب في الرايخستاغ (البرلمان الألماني) بحوالي 37% من المقاعد.
بعد ذلك سعى هتلر للوصول إلى المستشارية، ورغم أن الحزب النازي كان الأكبر، فإنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة، ورفض هيندنبورغ، رئيس جمهورية فايمار، تعيين هتلر مستشارًا.
كان الرئيس بول فون هيندنبورغ لا يثق بهتلر، بل كان يراه “مهرّجًا نمساويًا”، ولذلك رفض تعيينه في البداية، وعيّن بدلًا منه فرانز فون بابن ثم كورت فون شلايشر كمستشارين، لكن حكومتيهما فشلتا تمامًا في إدارة البلاد.
بعد هذه الحكومات الضعيفة دخلت البلاد في فوضى سياسية عارمة، فبدأ رجال الأعمال والسياسيون المحافظون بالضغط على هيندنبورغ لتعيين هتلر، ظنًّا منهم أنهم سيستطيعون التحكم به ووضعه تحت السيطرة، فاقتنع أخيرًا بالفكرة.
وبعد أن أصبح هتلر مستشارًا عام 1933، كانت حكومته ائتلافية تضم ثلاثة وزراء نازيين فقط من أصل أحد عشر وزيرًا.
ثم حدث حريق الرايخستاغ في فبراير 1933، فاستغل هتلر الحادث ليُلغِي الحريات ويعتقل خصومه السياسيين واحدًا تلو الآخر.
بعدها أقرّ قانون التمكين الذي مكّنه من إصدار القوانين دون موافقة البرلمان، أي أن الرايخستاغ فقد سلطته تمامًا، وأصبح مجرد ديكور في دولة نازية ديكتاتورية.
وهكذا، جاءت الديمقراطية نفسها بمن قضى عليها وقد يتكرر هذا الأمر في كل مكان !!
