د. سوزان زين ||
لا يمكن مقاربة تجربة حزب الله بوصفها ظاهرة عسكرية أو سياسية معزولة عن شروطها الاجتماعية والثقافية. فهذه التجربة في جوهرها، قامت على إعادة إنتاج الإنسان بوصفه فاعلاً تاريخياً، لا مجرد أداة صراع.
وفي هذا السياق، لا تظهر المرأة بوصفها عنصراً لاحقاً أو تكميلياً، بل باعتبارها أحد الأعمدة البنيوية التي استند إليها المشروع منذ تشكّله الأول.
لقد أكّد سماحة الشهيد السيد حسن نصر الله (رض) في أكثر من خطاب أن المرأة في حزب الله ليست على الهامش بل في القلب، وهي عبارة لا تحمل دلالة رمزية فحسب، بل توصيفاً بنيوياً لموقع المرأة داخل منظومة المقاومة، فالقلب هو مركز الضخّ والاستمرارية، ومن دونه لا تستقيم الحياة ولا يستمر الفعل.
المرأة في حزب الله لم تُختزل في دور الدعم اللوجستي أو العاطفي، بل أدّت وظيفة استراتيجية تمثّلت في حماية الوعي الجمعي من التآكل، وفي تثبيت منظومة القيم في مواجهة محاولات التفكيك الناعمة التي ترافق الحروب الطويلة. ولهذا قال الشهيد الأسمى السيد نصر الله (رض) بوضوح إن صبر الأمهات والزوجات هو أحد أسرار قوة المقاومة واستمرارها، لأن الصبر هنا يتحوّل من حالة نفسية إلى خيار معرفي وأخلاقي واعٍ.
من هذا المنطلق، يمكن قراءة الإعلان عن انطلاق «وحدة العمل النسائي» بالأمس بوصفه انتقالاً من مرحلة التراكم الاجتماعي إلى مرحلة التنظيم الواعي للدور، أي من التاريخ بوصفه ممارسة، إلى التاريخ بوصفه مشروعاً. فالوحدة لا تُنتج وظيفة جديدة للمرأة، بل تعيد صياغة موقعٍ قائم ضمن إطارٍ أكثر انسجاماً مع تعقيدات المرحلة.
وقد قدّم سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم (حفظه الله) بالأمس في التجمع الفاطمي، مقاربة دقيقة لهذا الموقع حين شدّد على أن المرأة في مشروع المقاومة شريك أساسي في بناء المجتمع المقاوم وحمايته، لا عنصراً مساعداً على هامشه. هذه المقاربة تنقل المرأة من موقع الفعل الجزئي إلى موقع الفاعل البنيوي، وتضعها في قلب معركة الاستمرارية، لا في أطرافها.
إن مشهد «التجمّع الفاطمي» الذي شاهده الجميع بالأمس، بمشاركته الواسعة والمنظّمة، لا يُقرأ من زاوية العدد أو التعبئة، بل من زاوية الدلالة، دلالة الانتقال من حضور صامت إلى حضور واعٍ بذاته، ومن دور مُسلَّم به اجتماعياً إلى دور مُعرَّف استراتيجياً، وهو ما ينسجم مع قول سماحة الشيخ قاسم إن المقاومة لا تقوم بالسلاح وحده، بل بالإنسان المؤمن بخيارها، والمرأة هي صانعة هذا الإنسان.
المرأة في حزب الله هي تاريخ كُتب بالصبر، لكنها اليوم مشروع يُدار بالوعي، وركن أساسي في معركة المستقبل.
وكما قال شهيد الأمة الإسلامية السيد حسن نصر الله (رض): «هذه المقاومة باقية ما دام في هذا المجتمع أمهات يربّين أبناءهن على الحق والكرامة».
من هنا، لا يمكن قراءة وحدة العمل النسائي لحزب الله كحدث تنظيمي فحسب، بل كتحوّل نوعي يؤكّد أن المقاومة، في معناها الأعمق، هي فعل إنساني شامل…والمرأة في قلب هذا الفعل، شريكة في الرؤية، والمسار، والمصير.
