جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة


  هادي جلو مرعي 

يجيء الإنسان الى هذه الدنيا عاريا باكيا ضعيفا ، تتلقفه الأيدي الحانية وتضمه الصدور المفعمة بشعور الطمأنينة والمحبة ، ثم يتقدم في مسيرته الدنيوية ويكبر رويداً ويتقوى على شؤون الحياة ، ويمارس دوره بطريقة ما يفهمها أو تفرض عليه ، ولعله يستسلم لمايجده من فكر ، ومن عادات وتقاليد ومعايير تربية وتعليم فينشأ كما أراده الآخرون ، ومن النادر ما ينشأ إنسان بإرادته وحريته الكاملة ، فيفكر وينتج ويقرر وفقا لفهمه وإدراكه للحياة، ومايواجهه فيها من تحديات ، ومايكتشفه منها رويدا، حتى ينضج في عمر ماويصل لمزيد من المعارف ، ويتحول من حال الى حال ، ولكنه في النهاية لايستطيع تجاوز حاجاته الى الطعام والشراب والمأوى واللباس والأمن ، فيتخذ لأجل ذلك تدابير قد تكون مشروعة ، وربما خالطها الانحراف  وهناك من يذهب في طريق المخالفة للقانون في سبيل الحصول على مايريد ، مع تسرعه في ذلك وعدم قدرته على تحمل المصاعب ورفضه أن يعيش في الفقر والحاجة ، وينتهز الفرص التي تمر مر السحاب لعله أن يحصل على مايريد ويصل الى بغيته.
في العادة يرى هذا الإنسان أن مكمن القوة في المال والنفوذ والسلطة ، وهي قوى تجتمع فتوفر له سلطان الحضور والتمكين ، ولايستطيع أحد مواجهته فيكون أقوى من غيره وبموازاة من هم أثرياء أقوياء مثله ، وعندما يكون في ظروف الحاجة والضعف ، يكون قريباً من الرب ومن الحديث عن الشرف والعفة والحرام والحلال والحكمة والتروي والإلتزام بالقوانين والتشريعات الدينية ، وفي زمن الضعف لاتجد من هذا الإنسان سوى مايغريك بمحبته وصحبته، فطعامه بسيط وملبسه خشن وجيوبه لاتكتنز المال ، ولكنه في طموح وجموح لاتعرف مداه إلا حين تختبر التحولات ، وترى فيها العجب العجاب وكما حصل في بلدان العراق فقد كان الكثير من العامة بسطاء فقراء متواضعين ، لايحصلون على عمل ملائم ولاتتوفر لهم وسائل الرفاهية والإتصال الحديث ، ولايملكون البيوت ولا السيارات ولا الوسائل التي تريحهم وتطمئنهم لمستقبلهم .
الكثير من العامة في العراق ممن كانوا لايملكون من حطام الدنيا شيئا ، وكانوا يتحدثون عن أيديهم المتوضئة ، وعفتهم وبعدهم عن الحرام تحولوا الى سلوك صادم ومختلف بعد ذلك ، فقد حدثت الإنفراجة بسقوط نظام سياسي دكتاتوري أتاح لعامة الشعب الولوج الى المؤسسات الحكومية ، والى الدوائر السياسية والخدمية ومواقع إتخاذ القرار ، وفجأة صارت الأيدي المتوضئة تملك المليارات من الدولارات والدنانير ، وتحصل على المناصب الرفيعة وصارت مافيات جبارة يخشاها بقية أفراد ومجموعات المجتمع ، ووجدنا طبقة إجتماعية جديدة تظهر الى العلن لم تكن تملك شيئاً من حطام الدنيا ، ولكنها تمتلك مالايمكن لفرد .
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال