واقع مرجعيتي السيستاني والخامنئي
يعتمد تصنيف المرجعيات الدينية الشيعية على عدد من المعايير، أبرزها: ما استقر عليه الرأي الحوزوي العام الذي تصنعه جماعات أهل الخبرة والضغط، وحجم المرجعیة ومساحة نفوذها الدیني وتأثيرها ونسبة مقلديها في العالم وليس في العراق أو إيران وحسب. أما الأعلمیة والعدالة و الشهرة والتصدي للشأن العام والبعد النهضوي في شخصية المرجع؛ فهي معايير نسبية لايمكن الإجماع عليها في ظل وجود موازين فرعية مختلَف عليها. ووفق هذه المعايير تكون بعض المرجعيات عليا و أخرى صف أول أو صف ثاني. وهي مصطلحات عرفية تدبيرية.
یمکن القول أن المدرستين الأبرز اللتين تتقاسمان مساحة النفوذ الدیني والتقلید منذ حوالي أربعة عقود وحتى الآن، هما مدرسة المرجعين الكبيرين السيد روح الله الموسوي الخمینی والسيد أبي القاسم الموسوي الخویی. وهما الزعیمان اللذان اقتسما المرجعیة العلیا للشیعة حتی وفاة الإمام الخمیني في العام 1989، ولا یزالان یقتسمانها في تلامیذهما و امتداداتهما.
تعود جذور مدرسة السيد الخوئي الى مدرسة زعیم الطائفة السید أبي الحسن الموسوي الإصفهاني في النجف، والتي أنجبت جميع مرجعيات النجف العليا بعد رحيله، كالسيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد الخوئي, بينما ينتمي الإمام الخميني الى مدرسة الشیخ عبد الکریم الحائري مؤسس الحوزة العلمیة المعاصرة فی قم، والتي أنجبت مرجعيات قم العليا بعد رحيله، كالسيد محمد رضا الگلپايگاني والسيد كاظم الشريعتمداري والإمام الخميني. وبالتالي؛ فإن أغلب المرجعيات العليا ومراجع الصفین الأول والثانی هم تلامیذ الزعیمین الخوئي والخميني، و ینتمیان الی مدرستیهما، وفي مقدمتهما: السيد علي الحسيني السيستاني والسيد علي الحسيني الخامنئي، اللذان یتقاسمان الزعامة الدینیة للطائفة الشیعیة فی العالم ( الحديث هنا عن الزعامة الدينية وليس القيادة):
1- السيد علي الحسیني السيستاني: المرجع الديني الأعلى على مستوى العراق وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني من مدينة مشهد، وتعود أصوله الى أسرة مهاجرة من العراق، ويقيم في النجف الأشرف منذ أكثر من (60) سنة، و هو وريث مدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، وقد تفرّد بالمرجعية النجفية العليا في عقد التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً في العام 1999، بعد رحيل مراجع النجف الكبار: السيد الخوئي والسيد أبي الأعلى السبزواري والسيد عز الدين بحر العلوم والشيخ علي الغروي والشيخ مرتضى البروجردي والسيد محمد الصدر.
2- السيد علي الحسیني الخامنئي: المرجع الديني الأعلى على مستوى ايران وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني مقيم في طهران منذ حوالي (40) سنة، وتعود جذوره الى أسرة عراقية هاجرت الى مدينة خامنه الإيرانية، وهو وريث مدرسة الإمام الخمینی وحوزة قم. وقد برزت مرجعيته في عقد التسعينات من القرن الماضي، ولا سيما بعد رحيل مراجع قم الكبار: السيد محمد رضا الگلپايگاني والشيخ محمد علي الأراكي والشيخ فاضل اللنكراني والشيخ جواد التبريزي والشيخ محمد تقي بهجت.
ويمكن القول أن 80 بالمائة من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج ولبنان وسوريا والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان أفريقيا وأوربا والأمريكتين، يقلدون السيد السيستاني والسيد الخامنئي. أما الـ 20 بالمائة الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنهم يرجعون بالتقليد الى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الأول أو الثاني. ولعل أغلب المسلمين والمتشیعین الجدد، ولا سيما في شرق آسيا و أفريقيا وأوربا، يرجعون بالتقليد أيضاً الى السید علي الخامنئي والسید علي السیستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغياً خارج المساحات التقليدية للشيعة.
بيد أن هناك من الشیعة من لایزال ـ بناءً علی فتوی أحد المراجع الأحیاء ـ باقیاً علی تقلید المراجع الراحلين، كالإمام الخمیني والإمام الخوئي والسید محمد الصدر والسید محمد رضا الگلپايگاني والسید محمد حسین فضل الله والشیخ محمد تقی بهجت و السید محمد باقر الصدر ( وهو أقدم مرجع ديني لایزال هناك من یقلده ).
(المقال القادم: مرجعيات الصف الأول والثاني في النجف وقم)