محمّد صادق الهاشميّ|
منذ سقوط النظام الصداميّ وربّما قبله بقليل تشهد الساحة العراقية تدرّجاً ممنهجّاً في النشر والتأليف ضدّ الاسلام والحوزات والفكر الاسلاميّ ، ويمكن أنْ نضع التسلسل التالي من خلال الرّصد وهو : أوّلا: مراحل التدرّج في النقد: قبل سقوط النظام الصدّامي شرع البعض ينتقد الحوزة والمراجع ، وينشر بنحو مكثّف إصداراتٍ قد تحتوي على الكثير من أفكار الكاتب، ويتم ّ إسقاطها على الحدث، وقد تكون بعض الأحداث حقيقيةً إلّا أنّها محاطةٌ بتفسيراتِ نفس الكاتب ورؤيته الخاصّة، وكانت الأقلام تكتب وتنتقدُ عبر مراحل، نذكر في هذا الصدد ما يلي: المرحلة الأولى: هذه المرحلة بدأت قبل سقوط نظام صدام حسين ، وأوّل الكتب صدوراً هو كتاب ( السفير الخامس)، وكتاب ( عراق بلا قيادة)، وكتاب ( أنبياء وأصنام )، (والآلهة البشرية)، وكتاب ( محمّد باقر الصدر بين دكتاتوريتين)، ثمّ تلتها كتبٌ أخرى أبرزها كتاب ( جولة في دهاليز مظلمة)، والخطوط العامّة لهذه الكتابات هي: 1. تشترك كلّ هذه الكتابات في نقد مراجع النجف الأشرف وعموم المراجع، فوصفوهم بأنّهم عملاء وغير ذلك. 2. ومنها ما يستعرض تاريخ الحوزة السياسيّ؛ ليفتش عن مواقف قد فهمها الكاتب خيانةً أو عمالةً أو تقصيراً أو فساداً مالياً لحاشية المرجع، ومَنْ يراجع هذه الكتب يجدْ تفاصيل ذلك. 3. أغلب الكتب تشير إلى أنّ تأخّر النهضة السياسية والاجتماعية في العراق بسب عقلية المراجع وحاشيتهم وتعاملهم مع الأحداث بنحوٍ أدّى الى انتكاسة المسلمين، كما يعتقد هؤلاء. 4. أغلب الكتّاب هم ممّن درس في الحوزة العلمية، بمستويات علمية مختلفة. المرحلة الثانية: انتقلت الأقلام وتدرّجت من نقد المرجعية إلى الهجوم على الدين والنبيّ محمّد (ص) أمثال كتاب (كشف الأسرار)، وكتاب (الحقيقة المحمدية)، وكتاب ( مبغى المعبد)، وكتاب (الاسلام المدنيّ). ثمّ تلتها مرحلة أشدّ قساوةً وعنفاً وهي انتشار كتب العلمانية والإلحاد : منها: (وَهْمُ الآلهة)، وإعادة توزيع وطبع كتاب آيات شيطانية , وغيرها الكثير من كتب الانحراف، وتتصف هذه الكتابات بما يلي : 1. إنّ الدين الإسلاميّ دين كاذب؛ كون النبيّ محمّد (ص) مدّعيّاً للنبوة بسبب ملذّاته، وهذا ما يذهب إليه كتاب (كشف الأسرار)، و(الحقيقة المحمّدية)، وكتاب (آيات شيطانية) . 2. تدافع هذه الكتب عن اللّواط، فيذهب المؤلف لكتاب (الإسلام المدنيّ) إلى أنه لا يوجد دليل على حرمته . 3. يذهب البعض منهم إلى أنّ طبيعة التشريع الإسلاميّ هي السبب في انتشار البغاء وهو كتاب (مبغى المعبد ). 4. كتب تنفي وجود الدين أصلا ، ككتاب (وَهْمُ الآلهة). المرحلة الثالثة: وهي مرحلة يقوم بها بعض الكتاب من خلال مقالات متواصلة عبر الفضاء المجازي تهدف إلى تسقيط المرجعية بطريق غير مباشر، ويشتد النقدُ على المؤسسات التابعة للمراجع من عتبات وأوقاف وتتصف هذه المرحلة بما يلي : 1. إنّ تلك الأقلام تكتب بنحو مستمرّ دون هوادة أو انقطاع ممّا يشكّل تلقّياً يومياً للقارئ. 2. تمّ الاستفادة من الفضاء المجازي في سرعة إيصال المقالات إلى المتلقّي. 3. أنّ هذه الكتابات تركّز على تفسير المواقف من المؤسسات التابعة للمراجع بأنّها فاسدة، وتمتاز بالطبقية والتقصير. 4.كثير من هذه الكتابات وقع كاتبها في ظلم التفسير وخطأ التقدير. كلام موجّه الى الكتاب بعد أنْ وجدنا أنّ أغلب الكتّاب هم من الطبقة الحوزوية، ومنهم من الإسلاميين نطرح الأسئلة التالية بكلّ حيادٍ بعيداً عن التهجّم؛ لنرتقي إلى مرحلة البناء لا إلى التدمير والتهم المتبادلة: 1. هل من الصحيح أن ننشر ونثقّف الأجيال والشباب الذي هو بأمسّ الحاجة إلى أن يتلقّى تربية عالية واحترام للمؤسسة الحوزوية، وبأشدّ الحاجة إلى المعرفة، فهل من الصحيح أنْ نربّي الأجيال على تسقيط الحوزة والمراجع ؟. 2. الظروف المحيطة بنا معقّدة وأشدّ تعقيداً أنّ شيعة العراق الآن في مرحلةٍ يعانون من التحديات الدموية والفكرية لحرف مسيرتهم، فهل من المناسب والمسموح به عقلاً وشرعاً أنْ نحطّم الإسلام والقيادات والمراجع والحوزات بمثل هذه الظروف، ومن الطبيعي أنّ المستفيد هو العدوّ، سواء كان هذا هو المقصود من تلك الكتابات أم لا؟ . 3. هذه الحوزة والمراجع أليس فيها من المواقف الكبيرة والمهمّة التي يجب أنْ تجعلنا نتمسّك بها ونشدّ الأجيال نحوها؟ فلماذا لا يكون همّنا دعمها ورصّ الصفّ باتجاهها، وقد وجدنا عملياً أنّ الدماء يمكن ان تكون بحاراً، والدين هدراً لولا وجودهم؟ فلماذا لا تسلّط الأضواء على الجوانب المشرقة خدمة للدين والبلاد والعباد ؟. 4. وعلى فرض وجود الأخطاء تنزّلاً فما هي الحكمة من النشر والتأليف حدّ التخصص وبدون انقطاع ضدّ المراجع ؟. 5. هل يبقي في العراق جيلا مؤمناً بعد كلّ هذا النشر المتواصل المتدرّج ضدّ الدين والمذهب والتشريع والحوزة . 6. كلّنا نتفق على أنّ الغزوّ الأمريكيّ العسكريّ ساوقه غزواً ثقافياً ( الحرب الناعمة )، وهي حرب تركّز على مسخ هوية الفرد المسلم، وسلخه عن جلده الإسلاميّ، وإيجاد الشرخ بينه وبين مرجعيته، ولأجل هذا رصدت أمريكا الأموال الطائلة لمنظمات الانحراف منها (عراق كوير )، ومنها ( إيلب)، وغيرها الكثير، فهل من العدل والحقّ والحكمة والمنطق أنْ تساوق أقلامُنا أقلامهم لتدمير ثقافة الشباب؟. 7. هل من الدين أنْ يقدّس الإخوانيّ والسلفيّ حركته وقادته على عظيم الإجرام وحجم الانحراف عن الدين وشدّة الفتاوى الدموية ضدّ شيعة العراق في الوقت الذي نجد أقلامنا تذبح تاريخنا وتهدم بناءنا وتسقط مراجعنا. أين هذه الأقلام من نقد فتاوى التكفير والانحراف؟ بينما ركّزت كلّ جهودها على تسقيط المراجع حتّى اصبح ما ينشروه مادّةً تتداولها الأجيال كلّ يوم، ولا يمرّ يوم إلّا ونجد الفضاء المجازي غارقاً بما يكتبون . بتاريخ 20 / 6 / 2020م .