جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

 


د. حسين القاصد ||


إن القصائد التقريرية المباشرة، بلغت من الهبوط الفني ما لم يبلغه تقرير حزبي من تقارير حزب البعث، فهذا سعدي يوسف يقول موثّقا:

وتلك عيون بالرميلة أُوقدت

هي المنتأى، والدار ، والمأمل

الأشهى

ولست بصدد هذا البيت لكن هذا ما قاله سعدي يوسف في «التأميم» ومنه قوله:

ولما ركزنا بالعراق

رماحــــــــــنا

تدافع من أدنى منابتها الصبح

تعالوا الينا: متعبين ورمّضا

تعالوا الينا: إنه الأمل الجـــــرح

والعيون التي في الرميلة لا نحتاج إلى أي جهد لكي نعرفها، ودليل معرفتنا لها بأنها «عيون النفط» أفرط سعدي يوسف بالمباشرة وقال: (أوقدت)، والشاعر لم يبذل جهدا تصويريا، ولا استعارة فنية، فإن قال قائل، إن «العيون» استعارة، نقول: نعم، لكن الشاعر لم يبذل جهدا يميزه عن المواطن البسيط، فالشائع الذي جرى مجرى الحقيقة لا الاستعارة والتشبيه، هو أن العراقيين يقولون: « عيون الماء» و»عيون» النفط .

أما من يقول: إن الشاعر استعار العيون للرميلة ليجعلها ترى، فيجيبه سعدي الذي « أوقدها».

والبيت الشعري تقريري مباشر وليس فيه أية إضافة إبداعية سوى أنه يحمل خبرا موزونا ومقفى.ومثل هذاـ وكأنه لا بد من البداوة في الشعر العمودي، قوله «ركزنا رماحنا» وهي صورة لا حداثة فيها، سوى أنه يخبرنا بانتصار قرار التأميم، لكن الانتصار تحقق بالرماح التي مازالت تعمل!! .

ولا شيء يضاف، فيما يخص» تعالوا إلينا…» سوى أنه يبشر بتحقيق الأمل، لكن برسالة مباشرة وواضحة.

كان سعدي يوسف يتحدث» عن المسألة كلها»، فقام بتوثيق كل ما مر به، لذا نجده في أحد البيتين اللذين أعنيهما، فرحاً، لكن فرحه مجروح بالقلق:

سموت، فردتني سماء خفيضة

وعدت، فما أشقى المعاد، وما

أبهى

فلقد سما وحلق شاعرا، وكانت الجمهورية وثورة 14 تموز فضاءً لتحليقه، لكن سرعان ما ارتطم بسماء خفيضة، وبين ارتطامه وعودته للأرض، وانتظار التحليق ثانيةً كان يشقى لكي يعود فيسمو بما هو أبهى، وهي فترة خمسة أعوام قضاها الشاعر من 1963 إلى 1968 وقام بتوثيقها شعرا بقوله في البيت الثاني من محور هذا المقال :

إذا ورد الشذّاذ خِمسا وجدتني

أرى الحق، محض الحق

أن أرد الرِّفها

وحيث بدأ بوحا « ذاتيا» وجدانيا، حلق في التشبيه، وشبه النظام العارفي بالشذاذ والسماء الخفيضة التي ردته ومنعته من التحليق، وعبّر عن الظمأ لخمسة أعوام، تعبيرا رائعا، وحين انقضى عهد الشذاذ زالت السماء الخفيضة، وصار الماء يناديه، رأى الحق أن يدرك رفاهيته، وهنا يقع في كمين السلطة، التي خدعت حزبه بالجبهة الوطنيةـ أو ان الحزب فضل دخول الجبهة على مواصلة النضال، بعد العذابات والمنفى والسجون فعن أية رفاهية وأية سماء بديلة لتلك السماء الخفيضة يتحدث سعدي يوسف. أليس في هذه الأبيات بوادر رضا واقتناع بالوضع الجديد الذي يمثل سماءً أشد انخفاضا.. وحكاماً أكثر شذوذا ؟ الجواب: بلى، وقد بقي الشاعر وورد تسعاً، قبل أن يغادر البلد ثانية بمساعدة من ميشيل عفلق.

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال