جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

 

علي حسين الاشرفي||


سَأَلَ حُمْرَانُ الإمامَ محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ، فَقَالَ : جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، لَوْ حَدَّثْتَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ فَسُرِرْنَا بِهِ ؟

فَقَالَ : ” يَا حُمْرَانُ إِنَّ لَكَ أَصْدِقَاءَ وَ إِخْوَاناً وَ مَعَارِفَ إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَا مَضَى مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَ كَانَ لَهُ ابْنٌ لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي عِلْمِ أَبِيهِ ، وَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ ، وَ كَانَ لَهُ جَارٌ يَأْتِيهِ وَ يَسْأَلُهُ وَ يَأْخُذُ عَنْهُ .

فَحَضَرَ الرَّجُلَ الْمَوْتُ ، فَدَعَا ابْنَهُ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ تَزْهَدُ فِيمَا عِنْدِي ، وَ تَقِلُّ رَغْبَتُكَ فِيهِ ، وَ لَمْ تَكُنْ تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ ، وَ لِي جَارٌ قَدْ كَانَ يَأْتِينِي وَ يَسْأَلُنِي وَ يَأْخُذُ مِنِّي وَ يَحْفَظُ عَنِّي ، فَإِنِ احْتَجْتَ إِلَى شَيْ‏ءٍ فَأْتِهِ وَ عَرَّفَهُ جَارَهُ .

فَهَلَكَ الرَّجُلُ وَ بَقِيَ ابْنُهُ ، فَرَأَى مَلِكُ ذَلِكَ الزَّمَانِ رُؤْيَا فَسَأَلَ عَنِ الرَّجُلِ ، فَقِيلَ لَهُ : قَدْ هَلَكَ .

فَقَالَ الْمَلِكُ : هَلْ تَرَكَ وَلَداً ؟

فَقِيلَ لَهُ : نَعَمْ ، تَرَكَ ابْناً .

فَقَالَ : ايتُونِي بِهِ .

فَبُعِثَ إِلَيْهِ لِيَأْتِيَ الْمَلِكَ .

فَقَالَ الْغُلَامُ : وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي لِمَا يَدْعُونِي الْمَلِكُ ، وَ مَا عِنْدِي عِلْمٌ ، وَ لَئِنْ سَأَلَنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ لَأَفْتَضِحَنَّ ، فَذَكَرَ مَا كَانَ أَوْصَاهُ أَبُوهُ بِهِ ، فَأَتَى الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ أَبِيهِ .

فَقَالَ لَهُ : إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ بَعَثَ إِلَيَّ يَسْأَلُنِي ، وَ لَسْتُ أَدْرِي فِيمَ بَعَثَ إِلَيَّ ، وَ قَدْ كَانَ أَبِي أَمَرَنِي أَنْ آتِيَكَ إِنِ احْتَجْتُ إِلَى شَيْ‏ءٍ .

فَقَالَ الرَّجُلُ : وَ لَكِنِّي أَدْرِي فِيمَا بَعَثَ إِلَيْكَ ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ لَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ .

فَقَالَ : نَعَمْ ، فَاسْتَحْلَفَهُ وَ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ أَنْ يَفِيَ ، فَأَوْثَقَ لَهُ الْغُلَامُ .

فَقَالَ : إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَكَ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا ، أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَقُلْ لَهُ : هَذَا زَمَانُ الذِّئْبِ .

فَأَتَاهُ الْغُلَامُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَ تَدْرِي لِمَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ ؟

فَقَالَ : أَرْسَلْتَ إِلَيَّ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنْ رُؤْيَا رَأَيْتَهَا ، أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَقَالَ لَهُ : زَمَانُ الذِّئْبِ .

فَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ ، فَقَبَضَهَا الْغُلَامُ وَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَ أَبَى أَنْ يَفِيَ لِصَاحِبِهِ ، وَ قَالَ لَعَلِّي لَا أُنْفِدُ هَذَا الْمَالَ وَ لَا آكُلُهُ حَتَّى أَهْلِكَ ، وَ لَعَلِّي لَا أَحْتَاجُ وَ لَا أُسْأَلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الَّذِي سُئِلْتُ عَنْهُ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ .

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ رَأَى رُؤْيَا فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ ، فَنَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ ، وَ قَالَ وَ اللَّهِ مَا عِنْدِي عِلْمٌ آتِيهِ بِهِ ، وَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِصَاحِبِي وَ قَدْ غَدَرْتُ بِهِ ، وَ لَمْ أَفِ لَهُ ؟!

ثُمَّ قَالَ : لَآتِيَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَ لَأَعْتَذِرَنَّ إِلَيْهِ وَ لَأَحْلِفَنَّ لَهُ ، فَلَعَلَّهُ يُخْبِرُنِي .

فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ الَّذِي صَنَعْتُ ، وَ لَمْ أَفِ لَكَ بِمَا كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ ، وَ تَفَرَّقَ مَا كَانَ فِي يَدِي ، وَ قَدِ احْتَجْتُ إِلَيْكَ ، فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ لَا تَخْذُلَنِي ، أَنَا أُوثِقُ لَكَ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِي شَيْ‏ءٌ إِلَّا كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ ، وَ قَدْ بَعَثَ إِلَيَّ الْمَلِكُ ، وَ لَسْتُ أَدْرِي عَمَّا يَسْأَلُنِي .

فَقَالَ : إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَكَ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَقُلْ لَهُ : إِنَّ هَذَا زَمَانُ الْكَبْشِ .

فَأَتَى الْمَلِكَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ .

فَقَالَ : لِمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ ؟

فَقَالَ : إِنَّكَ رَأَيْتَ رُؤْيَا ، وَ إِنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَقَالَ لَهُ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَقَالَ : هَذَا زَمَانُ الْكَبْشِ ، فَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ فَقَبَضَهَا وَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَ تَدَبَّرَ رَأْيَهُ فِي أَنْ يَفِيَ لِصَاحِبِهِ أَوْ لَا يَفِيَ ، فَهَمَّ مَرَّةً أَنْ يَفْعَلَ وَ مَرَّةً أَنْ لَا يَفْعَلَ .

ثُمَّ قَالَ : لَعَلِّي لَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ أَبَداً ، وَ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى الْغَدْرِ وَ تَرْكِ الْوَفَاءِ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ رَأَى رُؤْيَا ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَنَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ صَاحِبِهِ ، وَ قَالَ : بَعْدَ غَدْرٍ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ أَصْنَعُ ، وَ لَيْسَ عِنْدِي عِلْمٌ !

ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى إِتْيَانِ الرَّجُلِ ، فَأَتَاهُ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ ، وَ أَخْبَرَهُ أَنَْ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَفِي لَهُ ، وَ أَوْثَقَ لَهُ ، وَ قَالَ : لَا تَدَعْنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ، فَإِنِّي لَا أَعُودُ إِلَى الْغَدْرِ ، وَ سَأَفِي لَكَ ، فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ .

فَقَالَ : إِنَّهُ يَدْعُوكَ يَسْأَلُكَ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا ، أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَإِذَا سَأَلَكَ ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ زَمَانُ الْمِيزَانِ .

قَالَ : فَأَتَى الْمَلِكَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ .

فَقَالَ لَهُ : لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ ؟

فَقَالَ : إِنَّكَ رَأَيْتَ رُؤْيَا وَ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

فَقَالَ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟

قَالَ : هَذَا زَمَانُ الْمِيزَانِ .

فَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ ، فَقَبَضَهَا ، وَ انْطَلَقَ بِهَا إِلَى الرَّجُلِ ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَ قَالَ قَدْ جِئْتُكَ بِمَا خَرَجَ لِي ، فَقَاسِمْنِيهِ .

فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ : إِنَّ الزَّمَانَ الْأَوَّلَ كَانَ زَمَانَ الذِّئْبِ ، وَ إِنَّكَ كُنْتَ مِنَ الذِّئَابِ ، وَ إِنَّ الزَّمَانَ الثَّانِيَ كَانَ زَمَانَ الْكَبْشِ يَهُمُّ وَ لَا يَفْعَلُ ، وَ كَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تَهُمُّ وَ لَا تَفِي ، وَ كَانَ هَذَا زَمَانَ الْمِيزَانِ ، وَ كُنْتَ فِيهِ عَلَى الْوَفَاءِ ، فَاقْبِضْ مَالَكَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ وَ رَدَّهُ عَلَيْهِ.

لا حاجة لأقول أي زمان هذا؟

فخير الأمور أوسطها، وإنه فعلاً زمان الكبش.


تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال