جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف لقطات من مسيرة الأربعين في صفر 1423 هجـ/ آيار 2003م

لقطات من مسيرة الأربعين في صفر 1423 هجـ/ آيار 2003م

حجم الخط

 

أحمد رضا المؤمن ||

كانت الأيام الأولى لسقوط صنم الطاغية صدام عندما جائني جاري اللصيق الأخ العزيز السيد صفاء السلطاني مع الشيخ ماجد العبودي يدعوني للإنضمام معهم إلى موكب (عابس الشاكري) الحسيني والذي يُديره السيد صالح السلطاني للإنطلاق مشياً إلى كربلاء في بداية شهر صفر عام 1423 هجـ والذي كان يُصادف شهر آيار 2003م .

ـ كنت قد سمعت بعض الأنباء التي تتحدث عن إجتماع للمعارضة العراقية مع الإحتلال الأمريكي في ذي قار أول دخول الإحتلال وظهرت تصريحات عقب الإجتماع وهي ترحب بالإحتلال وتعد بعهد جديد يحكم فيه العراق بإرادة أمريكا ، فخرجت يومها تظاهرة شجاعة لمجموعة من مُقلدي المرجع الشهيد الصدر الثاني “رض” عقب هذا الإجتماع وهي تُردد هتاف (لا أمريكا ولا صدام  .. نعم نعم للإسلام) وهو هتاف وشعار رائع لخّص الهوية الحقيقية للشعب العراقي الذي لا يستبدل الظالم بمن جاء به أول مرة ، يومها قدحت في ذهني فكرة بأن أوصل خلال مسيري إلى كربلاء رسالة الرفض للإحتلال فأعددت لافتة من وَرَق الكارتون قياس 50 × 30 سنتيمتر وَكَتَبت عليها باللغة الإنجليزية عبارة (NO USA … YES ISLAM) لأني كنت أريد إيصال رسالة للعالم أن في العراق من لا يُرحب بأمريكا (المحتلة) وليس كما كان يُشيع الإعلام العالمي والعملاء بأن الشيعة يُرَحبون بالإحتلال الأمريكي ومتعاونون معه ، وهي مغالطة تأريخية تحاول الإستفادة من رغبة شيعة العراق بالخلاص من الطاغية صدام وهو الأمر الذي تم من خلال أسياده الذين جاؤوا به أول مرة ، فهو (ـ صدام ـ أمانة أمريكا وقد إستردت هذه الأمانة) كما عبّر أحد المراجع العظام .

ـ إنطلقنا مُنذ الفجر لتبدأ مَعنا حكاية موكب مشاية يسير مشياً إلى كربلاء علناً لأول مرة دون وجود جلاوزة للبعث يمنعون ويعاقبون المشاية على أنها جريمة ! أجواء الحرية هذه نفسها كانت مخيفة .. كان كل شيء مباحاً لنا .. لم نعرف سابقاً هذه الحرية وهذه التحركات والنشاطات . كان بعض أعضاء الموكب لا يزال يهمس عند الحديث عن صدام وحزب البعث خشية إحتمال أن يعودوا للحكم مرة أخرى كما حصل في الإنتفاضة الشعبانية عام 1411 هجـ/1991م التي كانت قاب قوسين أو أدنى من القضاء على صدام وزبانيته لولا الضوء الأخضر الأمريكي الذي منحته الولايات المتحدة الأمريكية للطيران المروحي الصدامي للقضاء على الإنتفاضة .

ـ بدأت مُشاهداتي بمصادفتنا من مراسلي القنوات (ومنهم الإعلامي السيد طاهر الموسوي) الذين صوّروا لنا لقطات ظهر فيها أفراد الموكب وهم يلطمون ويرفرفون بالرايات وهذه اللقطات إنتشرت في كل الفضائيات آنذاك للدلالة على بدء عهد جديد .

ـ في الطريق شاهدنا نقطة عسكرية أمنية للإحتلال الأمريكي قريب تقاطع الكفل فيها جنود عراقيين يبدو أنهم كانوا يأتمرون بأمر الإحتلال الأمريكي قيل لنا لاحقاً أنهم تابعين للمعارضة العراقية تم تدريبهم خارج العراق ، وفي الأثناء كانت تقترب منا كثيراً طائرات مروحية أمريكية يطل منها مصورين كانوا يصورون ملايين الزوار الزاحفين إلى كربلاء . فإقتنصت الفرصة وقمت برفع لافتتي أمام الكامرات ، ثم تكرر الأمر عندما وصلنا حاجز أمني آخر كان يتواجد فيه جنود الإحتلال الأمريكي فرفعت لافتتي بوجههم ولكن هذه المرة مع الصراخ بوجههم بغضب وحماس وأنا أطلب منهم مغادرة العراق فوراً وأنهم غير مرحب بهم .

بعد ذلك لاحظت إنزعاج وقلق بعض الأخوة في الموكب من تصرفاتي المتحمسة هذه وطلبوا مني الحذر لأننا لا نضمن ردة فعل الأمريكان فيما إذا تحول الموقف ضدهم .

ـ في المساء وأثناء المبيت بأحد مضائف بساتين النجف بالطريق إلى كربلاء جرت أحاديث جميلة بين شباب الموكب ، أحاديث ومناقشات تكشف عن طريقة تفكير الشعب العراقي في تلك الفترة الحساسة ، فالبعض كان يتوقع مستقبلاً زاهراً مرفهاً ، والبعض الآخر كان يتوقع أن كل ما حصل هو مؤامرة وأن صدام سيعود مرة أخرى ، وآخرون كانوا يشغلون أنفسهم بالعبادة وقراءة الزيارات المندوبة في هذه المناسبة .

ـ أثناء المشي وبشيء من الحماس كنت أتناول قطع من الطابوق وبدأت أكتب بها على الشارع (التبليط) عبارات مثل الموت لصدام الكافر ، يسقط صدام الجبان ، كلا كلا يا صدام .. إلخ . ليدوس عليها الزوار المشاة وتزداد جرأتهم وفرحتهم بسقوط صنم الطاغية الذي لم يمض على سقوطه سوى أيام فكانوا يتسابقون للمشي على هذه الكتابات بل أن بعضهم كان يركز بالمشي على إسم صدام تأكيداً على فرحته بسقوط صدام ، عدا شخص واحد فاجئني قيامه بمسح إسم صدام وعندما سألته عن سبب تصرفه أجاب بأنه يخشى من عودة أتباع صدام ويشاهدون ذلك فينتقمون من الزوار فتركناه ونحن نضحك على عقله كيف يمكن أن يعود صدام بعد كل ما حدث ولكن إتضح لاحقاً أن هذا الشخص هو نفسه من أيتام صدام وكان يشعر بالمرارة وهو يرى إسم صدام تسحقه أقدام زوار أربعين الإمام الحسين “ع” .

ـ الطريق إلى كربلاء كان صحراء بكل معنى الكلمة ، فلا بناء ولا مواكب ولا خدمات ولا حتى إضاءة ، فقط أبناء العشائر الريفية النجفية على طول الطريق إلى كربلاء التي فَتَحَت مَضائفها ومزارعها لإستضافة وخدمة الزوار فكان كرمهم لا يوصف ويقدمون لنا كل ما لديهم رغم ضعف الإمكانات المادية وعدم وجود الإستعدادات الكافية في تلك الأيام خصوصاً وأن شعيرة المشي إلى كربلاء في الأربعينية إنقطعت منذ إنتفاضة صفر 1397 هجـ/1977م التي قام بها أهالي النجف الأشرف وقمعتها سُلطات البعث بأبشع الأساليب ولم تعد إلا بشكل محدود أواخر التسعينيات بعد أن دعا المرجع الشهيد الصدر الثاني “رض” للمسير إلى كربلاء فحصلت وقتها إعتقالات وأحكام جائرة ظالمة بحق المشاة .

ـ لم يسبق لي المشي إلى كربلاء قبل ذلك فلم أكن أعرف مالذي سأحتاجه من أمور وملابس ، فأصابني البرد ومرضت وعانيت كثيراً لأكثر من يوم ولكني تحسنت عندما حصلت على دواء من إسعاف كانت تقف وتقدم الخدمة الصحية للزوار .

ـ كانت فرحة لا توصف بعد مرور أربعة أيام من المشي عندما دخلنا كربلاء ، يومها بدأت الأجواء تتبدل وعدد الزوار يتزايد بعشرات الآلاف ، كانت مدينة كربلاء بائسة في كل شيء ، ليس كما هي الآن ، فلا وجود للخدمات وشوارعها كلها متربة ولا يوجد تبليط سوى في الشوارع الرئيسية وداخل مركز المدينة . ثم إنتهى بنا المطاف للمبيت في حسينية قريبة من مرقد الإمام الحسين “ع” تابعة للشيخ سعد العبساوي لتبدأ إستعداداتنا لإحياء زيارة يوم الأربعين .

ـ لاحظنا في كربلاء نشاط إعلامي كبير لأسماء شخصيات ومراجع لم نسمع بهم سابقاً لأنهم كانوا خارج العراق ، وكذلك الأحزاب وجدنا العديد من الملصقات التي تُعَرّف بهم وبرموزهم وشُهدائهم ، كانت حالة جديدة لم نعتد عليها أن نجد كل هذه الأعداد من الأسماء والمسميات بعد حكم شمولي طال لعقود يحكمنا فيه حاكم واحد بالحديد والنار .

ـ في تلك الأثناء لفت إنتباهي الإحترام الكبير والتعاون الذي كان يبديه الزوار في

 كربلاء مع أفراد شرطة كربلاء وسياراتهم رغم أن العراق حينها ليس فيه لا (حكومة) ولا (دولة) وبالتالي فإن هؤلاء الشرطة كانوا يعملون قربة لله تعالى وحباً بالإمام الحسين “ع” وزواره وليس بتوجيه من أي جهة عليا ، فالعراق في ذلك التأريخ كان في مهب الريح تتسلط عليه قوات الإحتلال فقط .

ـ في اليوم التالي بدأت أتجول مع لافتتي التي جئت بها معي وكنت أتَعَمّد إظهارها أمام كاميرات القنوات الفضائية الذين كانوا موجودين بكثرة بصحبة مُترجمين لهم وهم يُصورون جميع ما يحدث ويجرون اللقاءات مع الناس .

ـ كنت أتألم بشدة وأنا أشاهد بعض الناس خلال اللقاء مَعهم وهم يشكرون أمريكا والرئيس الأمريكي جورج بوش لإسقاطه نظام صدام جهلاً منهم بأن صدام هو نفسه صنيعة أمريكا ولم يسقط إلا بعد إنتهاء دوره .

هنا بدأت بإستثمار بعض الكلمات الإنجليزية التي أحفظها فبدأت أردد مع رفعي للافتتي أمام هؤلاء المراسلين الأجانب وأظنهم كانوا أمريكان بقول : (نحن الشعب العراقي نكره أمريكا لأنها قمعت ثورة الشعب العراقي عام 1991 وسمحت لصدام بأن يقتل مئات آلاف العراقيين) و(لا نريد أمريكا ولا صدام ، نريد عراق حر) .

كان المراسلين الأجانب هؤلاء يهتمون كثيراً بما أقوله لهم بدليل أنهم كانوا يُكثرون من أسئلتهم لي دوناً عن بقية الناس الذين يكتفون منهم ببضع كلمات .

ـ أنهيت زيارة الأربعين لأول مرة في حياتي مع شعور بالرضا على نفسي بما أمكنني من جهد متواضع جداً أعلنت فيه رفضي للإحتلال كما يُناسب رسالة الأربعين الحسينية الرافضة للظلم والظالمين أياً كانت مسمياتهم مستذكراً قوله تعالى [لا يكلف الله نفساً إلا وسعها] . والحمد لله رب العالمين .

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال