د. نعمه العبادي ||
تعكس صورة المرور المنتظم في الشوارع والطرقات واقع المجتمع ومدى ثقافته وحدود إيمانه بالقانون من جهة، وتشير الى بعض معالم الرفاهية من جهة اخرى.
إن حالة الانضباط والاستقامة في الممارسة المرورية تأتي من: (وجود بنية تحية مرورية تتلائم مع حجم السكان وحاجاتهم، مجموعة القوانين الصالحة الناظمة لشؤون المرور بما في ذلك منظومة العقوبات، مديات الوعي والثقافة والالتزام بالقانون من قبل افراد المجتمع)، فأي خلل في واحدة من هذه المدخلات، ينعكس سلبا على واقع المرور.
يعاني العراق والكثير من دول العالم من مشكلة الزحام في الشوارع والطرقات، فضلا عن تزايد عدد الحوادث في الطرقات والتي تحصد يوميا ارواحا بريئة، إذ لا يزال هذا الموضوع يمثل تحديا كبيرا، فالاحصاءات الدقيقة تبين ان ضحايا حوادث السير تفوق ضحايا الارهاب، بل قد يزيد على عدد ضحايا بعض الحروب والمعارك.
صدر في الآونة الاخيرة مجموعة من التعليمات المرورية التي تتضمن فرض غرامات غير قليلة على مجموعة من المخالفات مثل (عدم ربط الحزام من قبل السائق والراكب، تجاوز خطوط العبور، استعمال الهاتف اثناء القيادة، السرعة،..
الخ)، إذ يتم تطبيق هذه القوانين في بعض ساحات العاصمة بغداد بالاضافة الى القوانين النافذة الاخرى، وفي الوقت الذي افرحنا تزايد فرض القانون والذي يعكس هيبة الدولة بشكل اكبر، ويساهم في حماية حقوق المواطنين، وان انتظام المرور سيكون مدخلا لمزيد من الانتظام في كل مرافق الحياة، أود تدوين مجموعة من الملاحظات التي اتمنى ان تصل الى قيادة المرور وكل المعنيين بهذا الملف وهي الآتي:
– إن اي قوانين وضوابط في المرور لا بد وان تكون آخذة بنظر الاعتبار احد الضرورتين الماستين من قائمة التحديات المرورية وهما: (تقليل وتقليص عدد الضحايا والخسائر البشرية والمادية جراء حوادث المرور، والمساهمة الفاعلة في تقليص الزحام والمساعدة على زيادة انسيابية الشوارع والطرقات والتي تعني وقتا اقصر يكفي للوصول الى النقطة المقصودة من قبل السائق)، وهذان الهدفان مقدمان على كل الاهداف والغايات الاخرى، لذا لا بد ان تنطلق اولويات القوانين والتعليمات والعقوبات المرورية من هذين الهدفين ثم تتوجه لتحقيق اهداف اقل اهمية، وبالتمحيص في حزمة التعليمات التي صدرت، فإنها لم تلاحظ ترتيب هذه الاهداف، ولم تنعكس مخرجاتها عليهن، لذا فإن المواطن ومع رغبته لتنظيم المرور ومنع الحوادث وتداعياتها، شعر بإن هذه القوانين او التشديد على هذه المخالفات دون غيرها وبهذه الكيفية نحو من العقوبة له.
– ان المتتبع والمراقب لواقع المرور في العراق يجد مبعث التحدي الاول المشار إليه والمتمثل بحجم الخسائر في الارواح والاموال يأتي من واقع ومخالفات بعيدة عما تم النظر إليه في هذه الحزمة، فهذه الخسائر البشرية والمادية مصدرها أسباب اخرى في مقدمتها : (السرعة المتهورة على الطرق السريعة بل وعموم الطرق والشوارع، إذ يرى الجميع هذه السيارات التي تسير بسرع مرعبة تتجاوز ال (180)كم في الساعة وهي تشكل حالة سباق مفتوح، طريقة القيادة الرعناء والمتهورة التي يمكن تلمسها بوضوح في كل الشوارع والطرقات، فهناك استهتار مفرط من قبل عدد كبير ممن يقودون المركبات في الشوارع، عدم توفر بنية تحتية مناسبة بما في ذلك تعبيد الشوارع وتخطيطها والجسور والانفاق والساحات والاشارات المرورية التي تساهم في سلامة السير، إذ تجد نفسك وكأنك في بحر من الظلام وانت تسوق في الكثير من شوارعنا وخاصة الطرق الخارجية بلا خط او علامة تميز اول الطريق من آخره فضلا عن الحفر والمطبات والشوارع المكسرة والقائمة تطول، انواع الاضوية الحادة والمؤذية التي تستعمل من قبل عدد كبير من السيارات والتي تسبب ارباك وخلل في الرؤيا لدى السائقين الآخرين، عدم تنظيم حدود السير لمركبات الحمل والمركبات الكبيرة فضلا عن عدم مراعاتهم لشروط الامان والسلامة، الكم المرعب من الدرجات النارية والتوكتك والستوتات التي تتداخل مع السيارات في الطرقات وهي تمشي بشكل يتسبب في الكثير من الحوادث، غياب المراقبة المرورية والمحاسبة خاصة في الطرق السريعة والخارجية مما يجعل هذه الشوارع مسرحا للعبث والاستهتار).
– انطلاقا مما تمت الاشارة إليه في وجوب تقدم اهمية (تقليل الخسائر البشرية والمادية) في نظر القوانين والتعليمات المرورية، فإن الأولى والأهم، هو ان يبدأ التشديد والعقاب والحساب والضبط من تلك الاسباب التي اشرنا إليه وفي مقدمتها المحاسبة على السرعة الجنونية والقيادة المتهورة خاصة في الشوارع السريعة والطرق الخارجية، وكذلك التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لانهاء مأساة الكثير من الطرق والتي تفتقد لكل شروط السلامة والامان، فمازلنا نتحدث عن طرق الموت، ويكفينا ما حدث من فاجعة مؤلمة وحزينة في محافظة البصرة والتي كانت ولا زالت تستحق موقفا رسميا وشعبيا اكبر واشد، فعلى الادعاء العام ان يحرك دعاوى على الجهات والاطراف المقصرة التي ساهمت في هذه الفاجعة الأليمة، وليكن الثأر والانتصار لدماء هؤلاء الابرياء من خلال محاسبة المقصرين والفاسدين ومنع تكرار حوادث مشابهة.
– ان القوانين تحتاج الى بيئة ثقافية ونفسية تساهم في تطبيقها بالشكل الذي يحقق غاياتها الايجابية، ونحن نفتقد الى الوعي والثقافة المرورية التي تتناسب وحجم التحدي المروري الكبير، إذ لا يكفي بعض التصريحات او الظهور الاعلامي لبعض ضباط المرور، بل لابد من حملات على مستوى المدارس والجامعات والدوائر والتجمعات الشعبية فضلا عن استخدام الوسائل الحديثة التي تساعد في بناء وعي مروري مناسب.
– من غير الصحيح ان يتم الحديث عن التحديات المرورية بطريقة يتنصل فيها كل طرف عن المسؤولية، ويلقيها على اطراف اخرى بوصفها من مختصاتهم، فالمسؤولية تكافلية، فالمواطن غير معني بتقسم المسؤوليات والصلاحيات، بل هو ينظر الى النتيجة النهائية.
ومع عدم التقليل من شأن اي اجراءات تستهدف تنظيم السير والطرقات داخل المدن وخارجها إلا ان هناك تزاحم وتراتب في الاهميات والضرورات، ومن هذا المنطلق ولكي لا نفتجع بمثل فاجعة اطفال الهارثة وغيرهم من الضحايا، ومن اجل قوانين مرورية تحد من الموت والضحايا وتساهم في انهاء زحام الشوارع والطرقات، أرى ضرورة التوجه إلى الآتي:
– ان تبدأ اجراءات المرور من مشكلتي السرعة والقيادة المتهورة وخاصة في الشوارع السريعة والطرق الخارجية، وهو ما يقتضي ان تخرج كوادر المرور مدعومة بقوة تحميها الى هذه الطرق لمحاسبة المقصرين، وان يكون العقاب حجز السيارة وسائقها لمدة شهر على الاقل ليكون عبرة لغيره، وان يكون الاجراء عادلا ونافذا على الجميع بدون استثناء.
– تكثيف العمل الذي يستهدف تحسين وتعبيد الطرق ومحاسبة الجهات المقصرة والمشاريع المتلكئة، وفي هذا النقطة ينبغي على اعضاء مجلس النواب والمحافظات والجهات الرقابية، ان تتوجه من خلال حملات واسعة لتفقد المشاريع والطرق والخلل في الاداء ومحاسبة المقصرين، والمطالبة المشروعة بالطرق والجسور والانفاق الضرورية التي تساهم في حماية ارواح الناس وتحد من الخسائر البشرية والمادية.
– منع قيادة كافة العجلات بما في ذلك الدراجات النارية بدون رخصة قيادة، وان يتم حجز اي مركبة يقودها شخص لا يحمل رخصة قيادة.
– تنظيم سير المركبات الكبيرة والحمل وإلزامها بالحمولة الرسمية واتخاذ اجراءات مناسبة لحماية الاخرين من حمولتهم، وكذلك تحديد المسارات والاوقات المناسبة لسيرهم.
– احياء الاستراحات ونقاط التوقف على الطرق السريعة والخارجية وتوفير الخدمة المناسبة فيها.
– السيطرة على حركة الدراجات النارية والتوكتك من خلال تعليمات صارمة تنظم وضعهم وتضع حلول مناسبة لوضعهم وتحد من مخاطرهم على الطريق.
– اطلاق حملات تثقيفية واسعة لبيان اهمية الالتزام بقواعد المرور وحجم المخاطر والخسائر المسببة جراء عدم الالتزام بها.
لا شك ان هذا المقال ليس دراسة شاملة وكافية لمعالجة مشاكل المرور ولكنه يتضمن اشارات وافكار تساهم في حماية ارواح مواطنينا العزيزة وتدعو لمرور آمن، لذا اتمنى ان يصل من خلالكم الى:
– المعنيين بالشأن المروري وفي مقدمتهم قيادة المرور.
-المعنيين بالطرق والجسور.
– اعضاء مجلس النواب والمحافظات
-الجهات الرقابية
– وسائل الاعلام