كوثر العزاوي ||
إنها والله حكمةٌ بالغة! وعزاءٌ لِمَن قسَت عليه الدنيا، لطالما تمثّلَت لنا هذه العبارة لتكون حاضرة في أذهاننا ونحن نهُمّ باليأس عند شعورنا بالخيبة، ويكتنفنا الإحباط حينما يداهمنا في محطات متعددة من الحياة، وعندما نستوحِش من أهل الدنيا وبعض مَن توسَّمنا فيهم خيرا، فما لبثوا أن فاجؤونا بما ليس في الحسبان، “كلمات ثلاث” بمثابة إنعاش لمن أعياهُ الهمّ خشية الهزيمة وكان هدفه الصمود في واقع مترامي الأطراف، متعدد الحيثيات، وبينما تتقاذفنا صروف الدهر، إذ تطرُق خاطرنا معزوفة التسديد والتثبيت: { يقينًا كلُّهُ خير} لتوقظ عندنا معاني الإيمان واليقين والتسليم في حتمية مايصيبنا بأنه الخير، بل كل الخير والصلاح لامحال! فننهضُ من جديد نُلَملِمُ بعض جراحاتنا لنواصلَ المسير،
فتتلاشى فوضى جوانحنا وتحُلّ مكانها الطمأنينة فتغمرها بالقوة والحياة، حتى كأنّها تٌقرُّ شاهدةً، إنّ مايصيبَنا من بلاءٍ ومُلمّة، إنما هو قُربانٌ لخياراتِ الله الرؤوف وشأننا التسليم والرضا، ليزداد الذين آمنوا إيمانا، ومن هنا ندركُ أنّ لتلك الكلمة التي أرَّخَها ذلك العبد الصالح -الشهيد سليماني- إنّما هي السِّحر الذي ارتقى بها في الخطوب والهزائز حتى وصلَ إلى مراتعِ العشق، واردًا حياض السلسل الفرات، ومن الجميل أن نعي أبعاد ومواطن هذه الحكمة -يقينًا كله خير- لأنها تذكرة، {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}
فلا نستشعرها إلّا ونحن موقنون، وليس في صدورنا مثقالُ شكٍ أو ذرة ارتيابٍ، لِما يخبّئ الله “عزوجل” من جميل في سرّ غَيبهِ، حال الأخذ والمنع، وفي الرخاء والشدة، لتتجلى روعة الهمّة والعزّة التي حمَلَتها روح هذا العبد الصالح ومَن على شاكلته من الصالحين طوال سنيّ العطاء والبذل، ليوَرِّثها الأجيال إرثًا معنويًا لايُقدَّر بثمن، وليس لِمَن اكتَنفَتهُم ظلمةَ المادة وحبّ الدنيا نصيبٌ من ذلك الإرث، فطوبى لمَن تجرّدَ وتفرّدَ فحملَ همّ الأمة وشَرَى الدنيا الفانيةَ بالآخرة الباقية، وأسلَمَ روحَهُ لمولاه، فجادَ بالنفس ولذائذها، لتجودَ عليهِ الدنيا بالحبّ والولاء، للحدّ الذي حَدا بالكثير من الناس الأعتراف، بأن عبارة “يقينًا كله خير” أضحَت سلاحًا نحاربُ به أيامَنا الثّقال، لتَلافِي الوقوع في فخّ حبائل القنوط والهزيمة! فطوبى لِمَن يزرع فينا شوق الرحيل إلى عالَم {أحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرزَقُون} رغم أننا لم نصعد جبلا ولم ننزل واديا، لكن طمعنا أننا في وادي أهل العطاء مرابطون وعنهم راضون ولشفاعتهم آملون، ولمولانا الأمل منتظرون، فإنّ فيض نورهم وإرثهم الثمين بين أيدينا يمدّنا بالقوة والسلام، ويمنحنا السكينة والوئام، فسلامٌ على المنتظرين الكرماء، وعلى الأحياء الشهداء، ومَن بِهم نلوذُ هربًا من عالَمِ الأموات، سلامٌ عليكم بما صبرتم وبما بَذلْتم وبما جُدتم مخلصينَ وبما تركتم فرحين “فَنِعمَ عُقبَى الدَّار”.